ما من شك في أن السياسة الإيرانية قد نجحت إلى حد كبير، في ترك بصمتها على كامل أقليم الشرق الأوسط بمساحته الأوسع، من أفغانستان وباكستان وصولا إلى لبنان والمغرب. إيران التي تملك ثاني احتياطي للغاز في العالم، عدا عن ثروتها واحتياطها النفطي، وتملك موقعا استراتيجيا، يعد حلم الكثير من الدول، وتملك تاريخا امبراطوريا مسجلا باسمها في المنطقة، وليس كحال العرب حيث تبعثر تاريخهم الامبراطوري! بين دولهم المبعثرة على سلطات متناقضة المصالح، وبين دول إسلامية، بين محدثين وحداثيين وبين إسلاميين وأصوليين...السلطة في إيران ناطقة باسم كل هذا وأضيف إليه، أنها اصبحت تنطق باسم أكثرية الأقليات الشيعية السياسية في العالم الإسلامي، وهذا رصيد لا تتمتع به أية دولة أخرى في المنطقة، وتركيا تحاول أن تستفيد من تجربة إيران، ولكن لن تستطيع أن تكون إيران أو مثلها، وتركيا برغم امتلاكها لاقتصاد قوي، إلا انها لا تملك ريعا نفطيا وغازيا يجعلها تستثمره كما فعلت إيران وتفعل.

إيران لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله دوليا، رغم أن المجتمع الدولي يمكن له أن يتجاهل أية دولة عربية، طبعا مع حفظ الفارق في هذا التجاهل بين دولة وأخرى، والسبب أن إيران دولة لها تقاليدها..بينما لدينا شخوص وعائلات ضيقة تتحكم بمصائرنا، ولهذا يستسهل الغرب تجاهلهم، لأنه يعرفهم جيدا، السياسة الإيرانية هذه رغم كل ما قلته ويقال أكثر منهquot; سياسة معادية بشكل سافر لطموحات شعبنا السوري في الديمقراطية والتقدم والتنمية، وقيام دولة حقيقة، هكذا هي مصلحة طهران، هذه مقدمة لا يمكن للمرء أن يتجاهلها، ولكنني أبدا لا أقارن حرص السيد نجاد على الشعب الإيراني ومصالحه بحرص أسيادنا العرب على شعوبهم...لأنه مهما كان فنجاد رئيس منتخب، وخلفه تراقبه مؤسسات ومراكز قوى..الخ هكذا طبيعة النظام الإيراني، اما رؤوسائنا وملوكنا عندما يذهبون إلى أية دولة اخرى، لا يحسبون حساب لما خلفهم في بلدانهم، ماعدا مصر الآن والكويت أيضا ولكل أسبابه لسنا بوارد الحديث عنها الآن، لأن سادتنا أنهوا أية حالة تشاركية او رقابية من أي نوع كان للمجتمع عليهم.

هذه السياسة الإيرانية التي انبنت منذ ثلاثة عقود وبهدوء صاخب، أصبحت لها ملمحها الإقليمي الخاص، في ظل هذه السياسة تأتي زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان، بالطبع لن يكون في استقباله في المطار السيد حسن نصر الله لا يريد أن يغامر كي لا يتتبعه الإسرائيليون، وربما يغامر من يدري؟ لأن هذه الزيارة لها مغزى أساسي ودلالات أخرى مترافقة معه، هذا المغزى الأساسي هو: تتويج السيد حسن نصرالله بوصفه الرئيس الفعلي للبنان..هذا أمر لم يعد يحتمل التأجيل عمليا، وإن كان له عقبات دستورية وقانونية وتاريخية، لكنها في المؤدى الأخير في هذا الظرف بالذات غير مهمة، أمام تجسيد الأمر عمليا وعلنيا..

لنأت إلى المشهد العملي: ميشال عون، سليمان فرنجية هذا على صعيد الساحة المارونية، السادة وليد جنبلاط، والسيد طلال أرسلان على صعيد الموحدين، تنظيمات إسلاموية سنية هنا وهناك، كلها عمليا رأست السيد نصر الله على لبنان، دون أن ننسى الأحزاب العلمانيةquot; القومي السوري، الشيوعي، البعثquot;
بقي خارج السرب اللبناني، ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار والسيد الرئيس ميشال سليمان..

لو نظرنا إلى هذه اللوحة اللبنانية، يصبح الأمر بسيطا جدا في تقديريquot; أن هذه الزيارة تأتي لتتويج السيد نصرالله رئيسا عمليا للبنان، مايسترو السياسة الإيرانية في لبنان، أما نظامنا السوري، بكل الأحوال هو في موقع المستفيد من هذا، حتى لو لم تعجبه بعض السياسات الإيرانية لكنه سيقبل بها على مضض، لأن إيران وقفت معه في أحلك ظرف مر به هذا النظام...quot;

التويج سيكون في الجنوب اللبناني، بعد أن يرمي الرئيس نجاد الإسرائيليين بحجر...فهل من معترض؟
ربما يحضر التتويج سفيرا ساركوزي وأوباما... وتكتمل الحفلة.