يفكر الجيمع ليعيشوا، نحن لسنا حيوانات تعيش بالغريزة، ومن يعيشون بغرائزهم لن يجدوا لانفسهم موقعا في عالم اليوم إلا في أسفل سلم الطبقات، ( وإذا افترضنا أنّ بنات الهوى واشباههن يعشن بالغريزة فانهن في الغالب يتعلمن أن يسوّقن غريزة الجنس لتصبح صنعة يتقنّ أصولها). وكي نعرف لا بد أن نتعلم كيف يفكر الناجحون، حتى إذا صنفنا الناجحين ضمن خانة الاعداء، فالناجحون يتعلمون من غرمائهم واعدائهم وأقرانهم سبيل التفوق عليهم.

quot;إيرانquot;
في فبراير/شباط من هذا العام أنجز (روزبه برويز ) فكرة ظل يتداولها مع زملائه في لندن طيلة عامين. الفكرة صارت مشروع مغامرة قد تفتح له ولبلاده آفاقا غير منظورة للتطور والاندماج في القرية الكبيرة ( العالم).

وهكذا ولد ( مشروع مدرسة إدارة الأعمال الإيرانية) في طهران وليس في لندن، فقد افتتح برويز مدرسته في قلب العاصمة الايرانية لتمنح الخريجين منها درجة الماجستير في إدارة الأعمال الحديثة وعين مديرا بريطانيا متخصصا لها بأجر خيالي. وفي إيران بضع عشرة مدرسة أخرى تعمل بنفس الاتجاه، الا أن هذه المدرسة تنفرد بانها الوحيدة التي تطبق المناهج التي تعتمدها مدارس ادارة الاعمال في بريطانيا، وبالتالي ستكون أسرع استجابة لمتطلبات عصر المعلومات. ويقول برويز دفاعا عن مشروعه الجرئ: quot; إذا كان لأيران أن تلعب دورا في الاقتصاد المعولم - كما تخطط وتفعل حكومتها- فإنها ستحتاج الى عقول تدير الشركات التي ستسير باقتصادها في هذا السبيلquot;.

رغم أن قطاعات كبيرة من الاقتصاد الإيراني ما زالت تحت سلطة الدولة ( القطاع العام) فإنّ المشاريع الخاصة والمشتركة في نمو مستمريسعى بجد للخروج من اقتصاد الدولة المحدود، وربما كان لقوة رجال البازار الطهراني أثر مهم في هذا التوجه، وهو أمريؤكده مدير مشروع مدرسة ادارة الاعمال في طهران برويز روزبه مشيرا الى ان الجانب النفعي في المسيرة الاقتصادية للبلد ستكون له الغلبة.

يتوقع برويز أن تتمكن مدرسته من تخريج 250 متخصصا كل عام، فيما تخرّج مدارس إدارة الاعمال الإيرانية الأخرى نحو 500 متخصص في كل عام، لكن معظم هؤلاء يفضلون الانتقال الى الخارج لتوظيف خبراتهم في بلدان أكثر انفتاحا، كما أنّ هذه المدارس لا توفر للدارسين فرص التعرف على آخر التطورات في مجال رسم الاستراتجيية الاقتصادية والمالية، وتطوير مهارات المهنة، والتخطيط الاستباقي. وهي اختصاصات تقع في صلب إدارة الأعمال الحديثة وتحرص المدرسة الجديدة على مواكبتها.

quot;تركياquot;
دأبت دول أوروبا منذ 23 عاما على انتخاب مدن لتصبح عواصم ثقافية للقارة العجوز، وكمبادرة تعبّر عن عن الانفتاح على ثقافات الشعوب غير الاوروبية، فقد وقع الاختيار على quot;اسطنبولquot; لتكون عاصمة للثقافة الاوروبية. هذا الاختيار جاء بمبادرة تركية تقدمت بها منظمة مدنية تركية غير نفعية إسمها quot; مجموعة المبادرةquot; عام 1999. وفي عام 2005 أصدر رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان مذكرة تدعم هذا المشروع وتحثّ كل منظمات المجتمع المدني في البلد على دعمه، ثم تولى أحد أعضاء البرلمان التركي منصب رئيس إدارة مشروع quot;تركيا عاصمة الثقافة الاوروبيةquot; ضمن مجموعة المبادرة نفسها، وهكذا أصبح المشروع يتنفس برئة غير حكومية ولكن بدعم شبه رسمي. في عام 2006 تبنّى الاتحاد الأوروبي المباردة التركية لتصبح اسطنبول عاصمة للثقافة الاوروبية لعام 2010.

بهذا الاعلان تسارع تنفيذ المشروع وخرج من حيز العمل التطوعي ليتخذ طابعا وطنيا تساهم فيه إدارة بلدية مدينة اسطنبول وعدد آخر من المؤسسات ذات الصلة.
مع هذا الاختيار اكتست اسطنبول بنكهة مدينة اوروبية وهو أمر سيدفع بها لاستكشاف جذورها العالمية متعددة الثقافات ويساعد سكانها البالغ عددهم نحو ( 13 مليون نسمة) على أن يفهموا بعضهم البعض.

ومن المؤمل أن يستقطب هذا المشروع نحو 10 ملايين سائح علاوة على 10 مليارات يورو تصب في مجمل الاقتصاد التركي. شعار هذا المشروع الطموح هوquot; مدينة العناصر الاربعةquot;، هذه العناصر مستقاة من نظرية فلسفية قديمة انشأها وطورها 4 فلاسفة عاشوا في هضبة الاناضول على امتداد التاريخ وكان آخرهم وأشهرهم quot;ارسطوquot; الذي طور مزيج هذه العناصر ليخرج بفرضيته الشهيرة عن quot;الطبيعة والسببيةquot; التي اعتمدت كأساس في الفلسفة الاسلامية والغربية المسيحية على حد سواء على مدى أكثر من 20 قرنا من الزمان.

quot;إسرائيلquot;
كارين تال التي تقترب من العقد الرابع من العمر تتولى ادارة مدرسة quot;بياليك روغوزينquot; في تل أبيب. لا جديد في الخبر سوى أنّ المدرسة تضم 800 تلميذ، بدءا من الصف الاول وانتهاء بالصف الثاني عشر( أي انها تضم جميع مراحل الدراسة قبل الجامعية). الأثارة تكمن في أن هذه المدرسة تضم تلاميذا من 40 بلدا، وقبل ان تتولى السيدة تال إدارتها كانت نسبة نجاح المدرسة في امتحانات الثانوية العامة ضئيلة ونسبة العنف بين التلاميذ عالية، وهددت البلدية بإغلاقها مرارا.
بعد أن تولت كارين تال ادارة المدرسة الصعبة، ارتفعت نسبة النجاح في الثانوية العامة من 28% إلى 70%، وهي نسبة أعلى من المعدل العام الإسرائيلي. أما نسبة الخادمين في الجيش أو المنخرطين في الخدمة المدنية من مجموع الخريجين فقد ارتفعت من 48 إلى 68 %.

تقول المديرة: quot;أرى أمامي طوال اليوم عيون التلامذة، ومن أصحاب هذه العيون يانا، القادمة الجديدة من روسيا، وهي يتيمة تعيش في مأوى لأبناء الشبيبة، وصائب، الطالب العربي الذي يستصعب دراسة العبرية، ويان، إبن العامل المهاجر البولندي، ومحمد، اللاجئ اليتيم من دارفور بالسودانquot;. وتضيف كارين: quot;تلامذتنا مسلمون ويهود ونصارى، ولكنهم جميعا يتكلمون العبرية ويرتدون الزي المدرسي الموحد. لا نستطيع تغيير نقطة انطلاق حياتهم، ولكننا نستطيع التأثير على حاضرهم ومستقبلهم ومنحهم فرصة حقيقية للنجاحquot;.

أما لماذا أخترت إيران وتركيا وإسرائيل، فجواب ذلك يكمن في أنّ العرب يتأثرون بهذا المثلث ويتفاعلون معه اليوم، كما كانوا قبل قرون طويلة من الزمن، ولامفر لهم إلا أن يعترفوا بأنّ هؤلاء هم جيرانهم، وعليهم أن يتعلموا منهم قبل أن يتعلموا من الغرب البعيد عنهم. فهل توجد مدارس أيرانية أو تركية أو إسرائيلية ( على سبيل المثال) في بلاد العرب اليوم إسوة بالمدراس الألمانية والامريكية والبريطانية والفرنسية المنتشرة في بلدانهم لتصنع نخب هذه البلدان وبناة مستقبلها؟

بون خريف 2010