من البديهيات الرئيسية في السياسة والصحافة والإعلام، ان السياسي والكاتب يقعان على خط واحد في طرح رؤية معينة تجاه القضايا الأساسية للمجتمع والوطن في أغلب مجالات الحياة، ولكن ما يفرق بين الاثنين ان الأول دافعه بالدرجة الرئيسية الوصول الى السلطة، بينما الثاني لا يهدف الى السلطة، وبطبيعة الحال فإن منظور الكاتب الحقيقي في تعامله مع قضايا المجتمع يختلف تمام الاختلاف مع منظور السياسي الذي يضع مصالحه الحزبية والسياسية والشخصية فوق مصالح الشعب والوطن ويكون همه الرئيسي ضمان السلطة والامتيازات وجمع الأموال، كما هو حاصل في العراق اليوم فنجد ان الكتل الفائزة في البرلمان مشغولة بالاستحواذ على السلطة وتقسيم المناصب على حساب الأمة والدولة بحجة الاستحقاق الانتخابي، والغريب ان الطرق المتبعة في هذا المجال لنيل السلطة باتت تحمل الغرابة وكل العجب، واصبحت الاستعانة بالاجنبي وان كان ايرانيا او تركيا او عربيا أمرا بديهيا ومسألة عادية.

والمؤسف ان المشهد العراقي يشهد أزمات متلاحقة يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة، ازمات خدمية، مخاوف أمنية، مشاكل حياتية، مأساة اجتماعية، معوقات معيشية، أمراض صحية، عوائق اقتصادية، مظاهر متواصلة للفساد، وعمليات ارهابية مستمرة، وخروقات امنية وسياسية، وغيرها من الأزمات المزمنة التي يشهدها الواقع الحياتي للمواطن العراقي، وبحكم شدة هذه الأزمات لا ندري كيف يقدر هذا الانسان المغلوب على امره على مواجهة كل هذه الازمات والمعاناة؟ وكيف يتسنى له أن يبقى حيا على قيد الحياة مع كل هذه المخاطر التي تسوق إليه يوميا من الارهاب والجهات الاجرامية ومن السلطة والاحزاب.

ولم تقف الازمات عند هذا الحد، وقد لحقتها اخيرا ازمة للممثلين المنتخبين في البرلمان، فقد شهد الواقع السياسي إضافة مشهدا آخر أكثر تشاؤوما وهو الاطالة غير المعقولة في استمرار ازمة تشكيل الحكومة، ويبدو من خلال قراءة سير الاحداث ان المسؤول الحقيقي لهذه الازمة هو البرلمان الجديد بكل اعضائه من النواب، نواب باعوا الانتماء الذي اقسموا عليه في قسمهم لاحزابهم ورؤساء كتلهم، وهم ساهرون خارج البلاد على حساب الأمة وعلى حساب الفقراء والمستضعفين، وهؤلاء هم من غدروا بحق صناديق الاقتراع ومن صنعوا هذا الموقف المتأزم، حالة متأزمة لم تكن متوقعة لدى الناخب الذي صوت لهم أيام الانتخابات، فخاب ظن الناخبين بهم، وهذا ما زاد الوضع سوءا وصار المشهد أكثر إيلاما في الألم والحسرة.

هذا الوضع الشائك والعصيب للإنسان العراقي يدور في ظل سيناريو مبتكر من قبل سياسيين بارعين في التجارة بالوطنية وبمصير الامة، وما يؤسف له ان ما يحدث هو بفعل عوامل سياسية داخلية وأسباب خارجية، وأثبتت الأزمة ان الايادي الممتدة للتدخل بالشؤون العراقية طويلة ومتفرعة في الاعماق و متجذرة عند البعض، ولا غبار عليها فان هذه الحالة المرفوضة من قبل كل عراقي تسمح له ان يتقدم للقضاء ويطالب بوضع كل نائب من البرلمان العراقي في قفص الاتهام؟ بتهمة النكران لاصواتهم الانتخابية.

وانطلاقا من هذه الحقيقة المرة لابد من اتخاذ موقف حاسم للرأي العام العراقي عند تشكيل الحكومة وانعقاد مجلس النواب لاجتماعاته، وهذا الموقف يتجلى من خلال رفع الدعوة القضائية على أعضاء مجلس النواب لحنثهم بالقسم الوارد في المادة 50 من الدستور quot; اُقسم بالله العلي العظيم، أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، والله على ما اقول شهيدquot;، لعدم رعايتهم مصالح الشعب ولارتباطهم كافراد او كمجموعات بدول اقليمية وعدم التزامهم بتطبيق التشريعات بامانة وحياد.

ولا مبالغة في القول، ان هذا الموقف في حالة تبنيه ونقله الى ارض الواقع من قبل الرأي العام، سيرسخ تقاليد ثورة مدنية دستورية في العراق، وسيثبت لكل سياسي ان العضوية النيابية ليست للتجارة ولا للمساومة ولا لنيل الامتيازات ولا للاقامة في الفنادق، وسيعلم كل مرشح ان هذه العضوية هي جندية عراقية بكل معاني الانتماء الحقيقي للقتال في خنادق العمل الوطني باساليب ديمقراطية لرعاية مصالح العراقيين، وهي تكليف من الشعب للقيام بالعمل الوطني الجاد المخلص الخالي من الشوائب والنيات الفاسدة.

والمؤكد أن النهضة المنطلقة في حالة اتخاذ هذا الموقف ستحرق كل الاوراق الداخلية والاقليمية التي تتلاعب بمصير العراق، وستخلق يقظة وطنية صادقة للايمان بالولاء المخلص للبلاد، ولاء بفضله سيكون العراق بقدرته خلق حاضر مشرق ومستقبل زاهر لكل أبناء الأمة، وفي حال عدم القدرة على ضمان هذا الولاء فان الوضع سيسير من سيء الى اسوء وسيكون حاضر العراق ومستقبله امام مصير مجهول لا محال.

[email protected]