لقد كان لأهل قريش رحلتان تجاريتان في الشتاء والصيف. ففي الشتاء يذهبون لليمن لطقسها الدافء ويعودون ومعهم البضائع القادمة من الهند كالتوابل وغير ذلك. أما في الصيف فيهربون من قيض الصيف اللاهب في مكة راحلين إلى الشاب لبرودة الطقس هناك, وفي نفس الوقت هي رحلة تجارية لجلب البضائع من الشام إلى مكة كالحبوب وغير ذلك. فهي على حد قول المثل العراقي (هم زيارة وهم تسيارة), أي هي زيارة ربما تكون مقدسة أو غير ذالك,وهي تسيارة أيضا ً, أي فرصة للقاء والسمر, فهو مثل ينطبق على من يتم أمرين بفعل واحد.

أما نوابنا العراقيون فتنطبق عليهم رحلة الشتاء والصيف بلا شك, ففي الشتاء يرحلون حاجين مكة كل عام, لدفء أجواء مكة في هذا الموسم, وفي الصيف يرحلون إلى أهليهم في لندن وستوكهولم وأمريكا. أما من ليس له أهل أو أبن يدرس أو يعمل في أحد السفارات العراقية في الخارج فيتوجه لبيروت أو طهران أو عمان, هربا ً من حرارة صيف العراق اللاهب وإنقطاع الكهرباء. ولما لا ورواتبهم في جيوبهم وهي وفيرة ولا تتأخر كرواتب المتقاعدين الذين خدموا العراق عشرات السنين.

لا أعرف كيف سأدخل لهذا الموضوع, ليس لصعوبته بل لتعدد الأبواب التي تؤدي إليه. فهناك عدة أبعاد في تلك الزيارات المقدسة, فهناك بعد قانوني عن قانونية الرحلات وهم موظفون يتقاضون رواتب شهرية, وهناك بعد شرعي, فهم ذاهبون لأداء فريضة وهم مرتبطون بوقت وعمل وإلتزامات تفرضها عليهم طبيعة أعمالهم, وهناك بعد سياسي عن تلك الرحلات وتأثيرها على إنعقاد جلسات البرلمان والمباحثات الجارية في أربيل للتوصل لصيغة مرضية لكل الأطراف, لكن الأهم من كل ذلك هو البعد والجانب الأخلاقي, نعم الجانب الأخلاقي الذي هو برأيي أهم من كل الجوانب الأخرى.

ففي الوقت الذي يقف العراق فيه على حافة بركان يمكن أن يفجر حرب طائفية في غياب حكومة لم تلد حتى قيصريا ً, يرحل نوابنا الأعزاء (خمسون منهم, حسب وسائل الأعلام) لأداء فريضة الحج تاركين مجلس النواب بلا إنعقاد لعدم إكتمال النصاب. فأي مشاعر وأخلاق يحمل هؤلاء في قلوبهم وأي عقول يحملون في رؤوسهم, زأي ضمير يحمل وجدانهم وهم يلبون نداء الله. هل يرضى الله, بالتأكيد لا, سأقول لكم لماذا, لأن الرضا لايتم من خلال أقامة الصلواة وشكليات العبادة, إن رضا الله يمر من خلال عنصر ثالث, وهو العمل. إنجاز العمل, والأخلاص في هذا العمل, ذلك هو معنى العبادة. هذا في الظروف الطبيعية, أما في ظرف كظرف العراق فلايحتاج لعمل فقط, فلابد من عمل ليل و نهار, صيف وشتاء, لإنقاذ بلد لم يستقر منذ سنوات وهو على حافة هاوية. العراق ليس دائرة حكومية لاتتأثر بغياب موظف أو موظفين, بل إنه شعب وتاريخ وحضارة ومستقبل وكل شيء. كل هذه المعاني في أعناقكم تحملونها وتحملون وزرها إلى يوم القيامة. لقد وضع الشعب ثقته بكم, باسم الديمقراطية, فهل تعون ماهي الديمقراطية؟ أنتم لستم موظفون عاديون, تعملون لصالح الدولة, أنتم موظفون لدى الشعب, نعم الشعب هو رئيسكم, الشعب هو رب عملكم, الشعب هو الذي يعطيكم رواتبكم.فأنتم سلطة لاسلطة عليها, أنتم تشرعون وتراقبون الحكومة التي إذا ما إنحرفت تصححون مسارها. هل تعون ماذا يعني كل هذا, لا أعرف إن كنتم تعون.

لاأعرف مدى أخلاقية هذا العمل والعراق يغرق بالدماء من قبل أرهابيين لايعرفون الله وعباده. أناس باردي المشاعر لايتفاعلون مع الحس الإنساني, يقتلون بلا رحمة ولاشفقة أوأي إحساس بالرأفة على إنسان, مسيحي أو مسلم, سني أو شيعي, طفل أو شيخ أو أمرءة. قولو لي بالله عليكم, كيف سأميزكم عن هؤلاء القتلة؟ إلم تفعلوا مايفعلون هم لكن ليس بسيارات مفخخة بل بترككم العراق يذبح وأنتم تنظرون للقتلة بلا أي فعل وتحولوا وجوهكم شطر البيت الحرام. الا يعني ذلك جنائيا ً أنكم تشاركون في الجرم؟ فهل هناك مشاعر وتضامن وعطف وشفقة. هل زرتم ضحايا التفجيرات, هل زرتم مواقع التفجيرات؟ هل تضامنتم مع أهل الشهداء؟ هل زرتم الكنائس وعزيتم أخوانكم المسيحيين؟ إن فعل بعضكم, فهذا يعني لم يفعل كلمكم وتلك هي المأساة. لابد أن يذهب كلكم برؤساء كتلكم للوقوف مع الضحايا والتضامن معهم, لابد أن تشعروهم بأنكم منهم وأنتم منهم, لا أن تتجهوا لزيارة بيت الله الحرام. أنا متأكد إن الله سيقول لكم أذهبوا لضحايا بلدكم ثم أتوني. قد أسمعت لو ناديت حيا ً ولكن لاحياة لمن تنادي. نعم, لاحياة لمن لايملك ذرة من العطف والشفقة على أبناء جلدته.

ربما يقول أحدهم أن ليس الكل يفعل ذلك, بل هناك مجموعة معينة. سأقول لكم, الشعب لايعرف أسمائهم, يعرف أنهم أعضاء من مجلس النواب, وكلكم يتحمل مسؤولية هذا الفعل, وهو ترك الضحايا والرحيل لرحلة الشتاء. فماذا عن الباقيين, كيف يسمحون بهذا الفعل, وماذا عن رؤساء الكتل, كيف يسمحون بهذا الفعل؟ لكن ربما ذهبو للحج لتلبية دعوة العاهل السعودي بوقت مبكر, حينها ينطبق المثل القائل, هم زيارة وهم تسيارة, حتى يحين موعد رحلة الصيف في العام القادم.

http://www.elaphblog.com/imadrasan