موضوع شائك للغاية هو البحث في قضايا quot;العفة والشرف quot; وطرح رؤية محايدة حولها. فالبنية الفكرية للثقافة العربية تتأسس حول quot;عدم المسّ quot; بهذا الموضوع، فيما يَغلب على معظم الدراسات الحقوقية المتداولة في العالم العربي الطابع السياسي دون التطرق الى المستوى الفردي والاجتماي الخاص بالكائن الانساني.
وان كانت الأحداث والجرائم تتكرر يوميًّا وتعرض ليل نهار في اروقة المحاكم، فإن حلّ المشاكل الاسرية يتطلب قبل كل شيئ تغييرًا جذريا في قوانين الأحوال الشخصية، في وقت لازالت المؤسسات الرسمية تتغاضى عن المطالب المحقة للمرأة وتتجاهل فتح أي ملف يتعلق بجرائم الشرف، علاوة على مجهولي الوالدين وغيرها من الملفات الملحة الأخرى. فيما تعمد بعض الدول الى اجراء ندوات دراسية محدودة تخرج بتوصيات تبريرية اكثر منها تغييرية ولا ترقى لمستوى المطالبة بإنشاء محاكم مدنية للاحوال الشخصية تنصف الانسان وتحترم فيه ابسط حقوقه البشرية.
من جهة أخرى نجد الكثير من الليبراليين العرب يطالبون بإرساء مبادئ الحريات السياسية والحقوق المدنية المتعلقة بأمور الحكم و بناء الدولة بينما يَتغاضون بشكل يصل الى درجة التعامي عن الجرائم التي ترتكب تحت شعارات quot;الفضيلةquot;، فمئات السيدات يُقتلن تحت مسمى quot;جرائم الشرفquot; أمام أعين الجميع ولا نجد من يتحرك، مما يعكس تواطئ ضمني للنخب الثقافية والفكرية مع العنف ومؤسساته وينم عن انحطاط في مستوى الحس الانساني.
وان كان جهل الانسان بوالديه لا ينقص من آدميته شيئ إذ لا عمل لإرادة مخلوق في اختيار ابويه البيولوجيين فإن المجتمع يصنف quot;مجهول الوالدين quot; في دائرة quot; طفل الحرام quot; او quot;ابن الزنا quot; مع ما يحمل ذلك من عنصرية واضحة تدمر كيان انسان لاذنب له الا ان والديه استغنوا عنه خوفًا من العقاب، فيما تستفحل عمليات الاجهاض القصري وترميم غشاء البكارة وغيرها من العمليات quot;السريةquot; التي لا حاجة لها ان كان الانسان يتمتع بتمام حقه الآدمي.
ووفق الاعلان العالمي لحقوق الانسان فان الحق العائلي يندرج تحت قائمة الحق الاجتماعي الذي يضمن للانسان الحماية الصحية والأمن والظروف الضرورية لنموّه وتطوره، وهو بالمناسبة حقّ طبيعي فطري، ويتفرع عن هذا الحق العائلي أمور اهمها: حق الانسان في الزواج او الارتباط بعلاقة عاطفية وجنسية محترمة، وحق التساوي بين الشريكين، وحق الانفصال والطلاق، وحق الانسان في سريّة حياته الخاصة... علاوة على امور أخرى كتساوي حق الزوجين فيما يتعلق بحيازة الاملاك وادارتها والتصرف بها.
وفيما نجد ان التشريعات في الدول الاوروبية تحمي العلاقات الخاصة فإن تشريعات الدول العربية تعتبر اي علاقة مهما كانت جادة خارج quot;العقد الديني quot; هي من باب quot;الدعارةquot; التي يعاقب عليها القانون، كما تحرم على الأم الحق أن تنسب الابن لنفسها ولا تعاقب المجرم بذريعة الدفاع quot;الشرفquot; على الرغم من ان بعض الدول العربية وقعت على اتفاقية quot;القضاء على كل أشكال التمييز العنصري ضد المرأةquot;.
اخيرا؛لا يهمني من هذا الطرح عرض ما تنص عليه القوانين quot;المحليةquot; منها وquot;العالمية quot; بما فيها شرعة حقوق الانسان؛ بيد ان تمام انسانيتنا كبشر تحتم علينا العدالة في ممارستنا، اذ ليس من صلاحيات احد سلب الآخرين حياتهم او التحكم بخيارتهم الخاصة ولعل اهم تلك الحقوق الحق العاطفي.
قد يبدو حلما بعيد المنال في ظل سيطرة العنف على كل مناحي حياتنا التي تكرس ذكورية السلطة والصراع والتنافس والاستئثار وتحقّر الانثى وتضعها في مرتبة دنيا، واننا نأمل ان نصل بالانسان الى مصافي احترام حقه المطلق في الحياة والحرية والتفتح الكامل على ايقاعه الخاص لعلنا نتغلب عطالة واقع رديء اقل ما يُقال فيه انه يُسوّغ القتل تحت شعارات شتّى.
- آخر تحديث :
التعليقات