هناك خطأ عرقي ساذج يستخدم عند التحدث عن العرب، فالناطقون بالعربية ليسوا كلهم عربا.

التذكير رد على كلام قيل حول تراجع quot;الدور المسيحي في المشرقquot; في مؤتمر حمل العنوان نفسه، وعقد في الجامعة الأميركية ببيروت في الفترة من ? 25?إلى ?27? أيلول/سبتمبر الفائت،لأن بعض المحللين ذكروا أن معظم مسيحيي الشرق متحدرون من أصول غير عربية مثل الأقباط والآشوريين والسريان والأرمن و الموارنة، وفي هذا التقسيم خطأ عرقي لأن مسلمي مصر ايضا متحدرين من أصول فرعونية مثلهم مثل الاقباط تماما، ومعظم مسلمي العراق وسوريا متحدرون من أصول سريانية وأشورية، إضافة إلى مسلمي السودان المتحدرين من اصول افريقية، ومسلمي المغرب العربي المتحدرين من اصول قبائل تلك الجهات غير العربية، ما يعني ان مواطني الشرق الاوسط الناطقين بالعربية ليسوا عربا كلهم لجهة العرق، وهذا ما تؤكده ثقافاتهم وشيفراتهم الوراثية وحتى لهجاتهم.

مواطنون ومقيمون
المسيحيون الناقطون باللغة العربية في الشرق الاوسط عاشوا تاريخا مشتركا مع المسلمين، ولعبوا دوراً ريادياً في نشر افكار اوروبا التنويرية بين المتحدثين بالغة العربية، كما تآزر الطرفان حتى تحررت اوطانهم من المستعمر العثماني ثم الأوروبي، لكن بعد الانقلابات العسكرية التي حدثت في خمسينات القرن الفائت واستقلال الدول العربية، بدأ تهميش المسيحية الشرقية عن سابق تصور وتصميم، لأن معظم رجال هذه الانقلابات، خصوصا رائدتها المصرية، نظروا إليهم على انهم على دين المستعمر نفسه، وتجاهلوا تماما كونهم مواطنين وليسوا متجنسين أو مقيمين مثل الجاليات الاجنبية التي عاشت في العالم الناطق بالعربية منذ عصر محمد علي وبدأوا يغادرون بعد هذه الانقلابات، وبالنظرة الضيقة نفسها إتخذوا من الدول الغربية عدوا لأنهم إستعمروا بلادهم، وتعاموا عن تركيا التي إستعمرتهم قبل الغرب المسيحي، وكانت احد اسباب المسألة الفلسطينية وغيرها من مشاكل حدودية أشهرها لواء الاسكندرون السوري لأنها دولة مسلمة.

نتيجة لما تقدم أخذ دور المسيحيين المتحدثين بالعربية في الانحسار، ما جعلهم يتجهوا لاحقا إلى الهجرة بعدما أخفقت معظم الحكومات، في تأمين اسس الوحدة الوطنية لمواطني الدولة، بغض النظر عن إختلاف اديانهم، واخذت في التضييق حتى على من هم مسلمين لكنهم ليسوا على المذهب الاسلامي نفسه للأغلبية، إضافة إلى المسلمين ذوي العلاقات مع الثقافة الاوروبية.

في ظل حكم معظم رجال الانقلابات انتعشت ايضا شتول الحركات المتشددة، ثم بدأت تستخدم الارهاب عربيا ودوليا كوسيلة تغيير، بعد ان تم وصل شراينها بمضخات اموال النفط. هذا التيارات التي يعاني منها المسلمون والمسيحيون على السواء، لأنها صاحبة نظرة احادية ترفض الآخر غير المنتمي إليها حتى لو كان مسلما، وتعمل على افراغ المنطقة من المسيحيين، وما حدث في مصر وليبيا أفضل برهان على مرض نبذ الآخر، ثم بدأت الظاهرة تنمو في العراق بعد دخول القوات الاميركية اراضيه، وتعاظم موجة رحيل المسيحيين عن هذا البلد الذي عاشوا آمنين فيه حتى نهاية عصر الرئيس صدام حسين.

مسيحيو الشرق
بسبب وطأة الأوضاع والمخاطر المحدقة بمسيحيي الشرق، واستجابة لدعوات الأساقفة الكاثوليك في دول الشرق الاوسط، انعقد ايضا في العاشر من تشرين الأول/اكتوبر هذا العام سينودس بحضور بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر وأكثر من 180 أسقفاً يمثلون مختلف الكنائس الشرقية، وناقش المشاركون في هذا السينودس على مدى أسبوعين المشاكل والتحديات التي تواجه مسيحيي الشرق، والبحث عن سبل تعزيز وجودهم والحد من هجرتهم من أوطانهم، وكيفية تشجيع الوئام بين المواطنين المسيحيين والمسلمين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعيش نحو 20 مليون مسيحي وسط نحو نصف مليار مسلم، لمنع خفض متوقع في تعداد المسيحيين إلى ستة ملايين عام 2025، ما يعني أن الشرق الاوسط سيخلو من 90% من سكانه الأصليين في نهاية القرن الحالي أو بدايات القرن القادم على ابعد تقدير، اذا بقيت أوضاع المنطقة على ما هي عليه من تشدد وعدم استقرار سياسي وأمني وبطالة وتخلف ثقافي وفقر روحي.

المشكلة دينية لكنها صُنفت سياسية، وتعاظمت كما ارى بسبب ضيق أفق رجال الانقلابات الذين كان همهم التخلص من الاستعمار وإضمار العداوة له فقط، وليس لعقلية الاحتلال العثماني المسلم الذي استعمرهم طيلة أربعة قرون باسم الخلافة العثمانية، وتركهم فريسة سهلة امام اوروبا المسيحية، بينما تركيا صديقة لإسرائيل وتسعى حثيثة للإنضمام للإتحاد الاوروبي، رغم محاولات لعب ادوار بطولة إسلامية ذات ضجة لكنها بدون مفعول!

محمية ثقافية
القرارات والتوصيات الخاصة بقضية مسيحيي الشرق التي صدرت عن هذا الملتقى المسيحي في ختام جلساته، كما كلمات مؤتمر quot;الدور المسيحي في المشرقquot; التي قالها مسلمون ومسيحيون، ستظل في الادراج بسبب عدم وجود رؤساء مسلمين فيهما، لأن القرارات تحتاج لقوة تنفيذية بعد صدورها، وبدونها تظل حبرا على ورق، ومن المستغرب فعلا أن لا يدعو المسيحيون رؤساء أو ملوك مسلمين لرعاية هذه المؤتمرات، خصوصا الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يشدد على دور المسيحية الشرقية منذ أن كان وليا للعهد، ويبدو لي أن الحكام المسلمين لو كانوا جديين في حث المسيحيين المتحدثين بالعربية على التفاعل بقوة داخل مجتمعاتهم وعدم الهجرة، لعقدوا منتدى عربيا تخصص اجندته لبحث هذه المسألة، لمدة ثلاث سنوات على الأقل لمتابعة الامر ميدانيا، ولكي لا تكون المقررات في ادراج التاريخ فقط، لأن وجود المسلم فقط في هذه المنطقة سيصيبها بالعقم الثقافي، نظرا لأحادية الرؤية وعدم تفاعلها مع الآخر، ما يثبّت إلى الابد حتى النظرة العدائية للغرب بشكل عام واتخاذه عدوا، بدلا من التعاون معه من اجل رفعة الانسانية، مثلما فعلت الولايات المتحدة مع بريطانيا التي إحتلتها، والبرازيل مع البرتغال التي إحتلتها، والمكسيك وفنزويلا وغيرهما مع إسبانيا التي إحتلتهم ايضا.

المسيحيون المتحدثون بالعربية بحاجة إلى منتدى إسلامي دائم يتبنى منع هجرتهم، والمسلمون بحاجة إلى مارتن لوثر مسلم، لكي يرمموا المحمية الثقافية الشرق اوسطية، التي ذهب منها رفاعة الطهطاوي والشيخ علي عبد الرازق وطه حسين وغيرهم إلى اوروبا وعادوا بافكار تنويرية لإصلاح مجتمعاتهم، وذهب محمد عطا وسمير الجراح إلى أوروبا نفسها، فصارا دميتين موجهتين بريموت كونترول، غير واضح الهوية حتى الساعة، قادتا طيارتين إرتطما ببرجي التجارة العالمية!