لا جدال على وطنية غالبية مسيحيي العراق وحبهم لبلدهم وحقيقة الأمر لا يمكن تصور العراق كيف سيكون حاله دون مسيحييه ولم نشكك يومآ في إبداعاتهم الفكرية ومساهماتهم الخلاقة في إثراء الثقافة العراقية وتطورها فهم مكون مهم من مكونات الشعب العراقي العظيم نعتز به ونحافظ عليه وهم كانوا وما زالوا درع العراق الواقي في وجه كثير من الأطماع الأقليمية من هنا أردنا توضيح ما جاء في مقالتنا السابقة في إيلاف والتي كانت بعنوان (هل تستدعي جريمة الكنيسة الهجرة أو الرحيل؟ ).

وأعتقد جازمآ من أن غالبية قراء ذلك المقال ظنوا أن هنالك تحامل ما في محتوى المقال على أخوة لنا في الوطن وهذا بصراحة فهم خاطئ مع شديد الأحترام لكل من شارك بسلبية في الرد والتعليق أو الذين ساورتهم الشكوك والظنون، فالفكرة التي أردنا إيصالها في المقام الأول كانت تتعلق بالعمليات البسيطة التي إستهدفت الأخوة المسيحيين ولم يكن لها طابع طائفي ممنهج كما يدعي بعض مسيحيي الخارج الذين يضطلعون اليوم بدور كبير في شن حملات إعلامية واسعة لتشوية صورة الأسلام والمسلمين في أوربا والغرب عامة ويصورون أية حوادث فردية يكون بالصدفة المتعرض لها مسيحي على أنها حوادث منظمة طائفية تستهدف المسيحيين،وحادثة كنيسة النجاة الأجرامية هي الإستثناء الوحيد تقريبآ والتي نعتقد بأن لها أمتدادات خارجية حيث تلقفها المغرضون والحاقدون فحظيت بتضيخم إعلامي غير مبرر ربما يكون له أهداف وأبعاد خطيرة، أما الحوادث الأخرى التي طالت الأخوة المسيحيين وكما بينا فأنها عبارة عن حوادث يتعرض لها كل العراقيين بشكل عام والمسيحيين ليسوا إستثناء في خضم هذه الفوضى والأنفلات الأمني الحاصل في العراق: فالعنف الذي يضرب العراق أعمى لا يفرق بين مسجد وكنيسة أو بين مٌسلم ومسيحي والمستهدف الحقيقي فيه هو وحدة العراق وترابط نسيجه الإجتماعي.

وكثرة المقالات التي تناولت حادثة الكنيسة كانت مبالغٌ فيها وكأن المسيحيين ليسوا جزءآ من الشعب العراقي فهو إساءة لهم قطعآ ويخلق عندهم شعور بالغربة، فهذا يطالبهم بالرحيل والهجرة وآخر معتوه يقترح عليهم إنشاء كيان ذاتي لهم في منطقة مناسبة من مناطق العراق وكأن في العراق أراضي معروضة للبيع أو التوزيع المجاني وهي قمة السطحية والسذاجة، ولمثل هذه المقالات والدعوات العبثية الغير مسؤولة نتائج عكسية تضر بالوضع العراقي عامة: فالهجرة تعني الهرب وترك الساحة والتنصل من أي روح وطنية أما الدعوة الى كيان فهذه جريمة بحق العراق أولآ والترويج لها يضر بالأخوة المسيحيين قبل غيرهم ويفقدهم التعاطف الشعبي معهم ويؤلب عليهم الجموع فهذه أمريكا بكل جبروتها وماكنتها العسكرية الهائلة لم تستطع الصمود والبقاء في العراق وتوابع زلزال إحتلالها له بدأت رداته تصل الى عمقها وما أزمتها المالية الخانقة إلا أحد توابع ذلك الزلزال الكبير، أما حلفاءها من الأوربيين فلا يعول عليهم فهم أعجز من القيام بإي شيئ لذلك على من يثير هذه الدعوات ويدعوا لها عليه أن يراعي الضرر الذي ستجلبه على المنطقة عامة، حيث ستعم الفوضى، وتغرق المنطقة في بحور من الدماء، أما الإدعاءات التي تساق بين الفينة والأخرى عن أن المسيحيين هم أهل العراق وسكانه الأصليون وكأن باقي العراقيين أجانب فهي إدعاءات قاصرة تنقصها الدقة والقراءة التأريخية الصحيحة علاوة على كونها إدعاءات غير مسؤولة تؤجج الأوضاع وتزيد الأحتقان بين أفراد المجتمع.
إن على الحكومة العراقية اليوم القيام بدراسة متأنية لتقييم ما حدث، ومحاسبة المقصرين،ومحاصرة الأضرار السياسية التي نتجت عن التفجيرات الأرهابية الدامية الأخيرة التي هزت بغداد، والقيام بحملات إعلامية واسعة لتبيان حقيقة وضع الأقليات المصان دستوريآ في العراق، والطلب من بعض الدول وخاصة فرنسا الكف وعدم التدخل لأنها آخر دولة يحق لها التكلم عن حقوق الأقليات حيث تنتهك فيها حقوق الأقلية المسلمة بشكل فاضح وبقوانين تعسفية بدأت تقترب رويدآ رويدآ من قوانين محاكم التفتيش الأسبانية الشهيرة.

[email protected]