حالة التردي والهوان التي يعيشها العراق زحفت حتى على مكانة بغداد (( عروس الأزمان )) والرمز الوطني والحضاري والتاريخي للعراق... فقد وجه الساسة العراقيون الإهانة تلو الأخرى الى عاصمتهم لدرجة سمحت حتى لاتحاد كرة القدم العراقي بالتجاسر على بغداد ونقل مقره منها الى الأردن!

في جميع دول العالم وفي مقدمتها الديمقراطية.. تتمتع العاصمة بمكانة رمزية خاصة ولها الأولوية في كل شيء ، والموضوع ليس له علاقة بالأستعلاء القومي وتهميش البقية ، وانما هو حق معنوي تتعامل به كافة دول العالم ماعدا الساسة العراقيين الذين هم على أستعداد للتنازل وحرق وتدمير كل شيء من اجل مصالحهم الشخصية والحزبية!

والزيارات المتكررة الى كردستان من قبل الساسة العراقيين، وقبولهم بحضور اجتماع الطاولة المستديرة لتوزيع الحصص بينهم، وليس لخدمة البلد هي إهانات متلاحقة توجه الى بغداد، فمن الناحية العملية أقليم كردستان أصبح دولة مستقلة، ولايربطه بالدولة العراقية أية رابط، فهو لديه جيش وحكومة وقوانين خاصة به، وممنوع على المواطن العراقي - العربي ان يتقلد أي منصب هناك حتى لو وظيفة شرطي أو عامل بلدية، في الوقت الذي تمتلأ بغداد بالأكراد الذين يحتلون أعلى المناصب من رئيس الجمهورية الى الوزراء وغيرهم.

الشيء الوحيد الذي يربط الأكراد بالعراق هو حصولهم على حصة 17 % من وارداته النفطية، أي انه العراق بالنسبة للأكراد مجرد بنك لصرف الدولارات، وقد وصلت العدوانية بالأكراد في بعض الأوقات الى منع دخول العراقيين العرب الى مدنهم بحجة الخوف من الإرهاب، في حين يدخل المدن العراقية كل يوم مئات الأكراد دون ان يتعرضوا للمضايقة، وهم يسرحون ويمرحون بحرية تامة فيها!

فلماذا هذه الإهانة والإذلال من قبل الدولة العراقية بكل رمزيتها وقوتها المعنوية عندما يتنازل الساسة ويهرعون للتفاوض في كردستنان بدل استدعاء الساسة الأكراد الى بغداد؟

ثم بما ان أقليم كردستان دولة مستقلة ، فما حاجتنا اليه للتفاوض معه واشراك الساسة الأكراد في الحكومة العراقية التي لايشعرون بالأنتماء اليها، فجميع برامج الأحزاب الكردية تنحصر في الشأن القومي الشوفيني ولايوجد فيها أي بند وطني يخص العراق والسعي لخدمته وتطويره!

لقد تآمرت الأحزاب الشيعية على مصالح العراق نكاية بالسنة العرب، وقدمت تنازلات هائلة للأكراد ، وهي مستعدة للتفريط بكركوك والموصل وديالى وغيرها بهدف خلق فتنة داخلية بين الأكراد والسنة، والأستعداد لأقامة دويلة شيعية أسوة بالدويلة الكردية يتم فرضها كأمر واقع وترك المناطق الغربية والشمالية في حالة صراع وحروب دامية كردية - عربية سنية، فمع سحب يد أميركا من العراق والنظر اليه بأعتباره دولة لاتعني كثيرا للمصالح الأميركية، بل هو مشروع سياسي خاسر.. ازدادات احتمالات انفلات الأوضاع السياسية والتدخلات الأقليمية، وأقترب أكثر مشروع التقسيم الى دويلات شيعية وسنية وكردية، والأخطر من هذا ان التحليل السياسي الواقعي يقودنا الى توقع نشوب حرب أهلية دامية بين الاكراد والعرب السنة حول كركوك والموصل وديالى، وسيقف العالم متفرجاً عليها بعد ان اصابه القرف من مشاكل العراق والمنطقة!

[email protected]