يجتمع اليوم قادة العراق الجديد في اربيل ( هولير ) عاصمة اقليم كردستان العراق والتي اعتبرتها منظمة اليونسكو واحدة من اقدم المدن المسكونة في العالم وخاصة قلعتها التاريخية التي ادرجتها المنظمة العالمية ضمن لائحة التراث العالمي اسوة بالاهرامات وسور الصين العظيم وغيرهما، في هذه المدينة سيجتمعون حول طاولة الرئيس بارزاني المفعمة بالتفاؤل والآمال والإصرار على تجاوز محطات الخلاف والتوقف والانطلاق منها الى عهد جديد بعد تجاذبات مغناطيسية وتنافرات سياسية كادت ان تصدع جدران التداول السلمي للسلطة برمتها.

هذا الاجتماع الذي وافقت كل القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية ومن ضمنها القوتين الاكثر تنافسا على حكم البلاد وهما الكتلة العراقية والتحالف الوطني اللتان تمثلان في حقيقة الامر المكونين الرئيسيين السني والشيعي وان ادعت كل منهما بالابتعاد عن الاصطفاف المذهبي سواء من خلال اسم الكتلة او التصريحات الاعلامية، الا ان واقع الحال افرز هذا التبلور في التكوينات بعد انتخابات آذار الماضي.

في هذا الاجتماع الذي سبقته عملية اعداد مكثفة طيلة الاسابيع الماضية قام بها الوفد الكردستاني المكلف بالتفاوض والحوار مع كل القوى السياسية، يلتف المجتمعون فيه حول شعار أو ثابت واحد هو تأسيس حكومة شراكة وطنية تساهم فيها كل المكونات والفعاليات السياسية وبتوافق الجميع والابتعاد قليلا عن موضوعة الاغلبية والاقلية التي يدعي كثير من المحللين السياسيين والخبراء المحليين والدوليين انه لم يحن الوقت لاعتمادها اساس في الحكم بسبب عدم وضوح او تبلور مفهوم مشترك للمواطنة العراقية البحتة لدى كل مكونات الشعب العراقي العرقية والقومية والدينية.

اذن هنا في هولير وهو الاسم المحلي والشعبي الجميل المتداول لمدينة اربيل عاصمة اول اقليم عراقي يتمتع بالاستقلال الفيدرالي بعد صراع استمر لأكثر من ستين عاما خاض فيه الكرد وبقية القوميات والاثنيات في شمالي العراق حربا ضروس ضد دكتاتوريات بغداد الحزبية منها والفردية انتهت بانتصارها في انتفاضة الربيع عام 1991م. في هذه العاصمة الجميلة التي انقشع عنها غبار عقود من التهميش والإهمال لتنهض على اديمها خلال اقل من سبع سنوات واحدة من اجمل مدن العراق ولتكون عاصمة اقليمية يفتخر ويفاخر بها العراقيون جميعا وشعب كردستان في كل مكان، توافد اليها زعماء كل الكتل العراقية وقادة الاحزاب والفعاليات السياسية منذ ظهور نتائج انتخابات آذار الماضي للبحث عن انجع الطرق واقصرها في تأسيس عهد جديد تشترك فيه كل مكونات العراق وقواه السياسية والاجتماعية.

اجتماع قادة العراق الجديد حول الطاولة المستديرة الذي دعا اليه رئيس كردستان مسعود بارزاني في اربيل يعيد الى الواجهة اسماء مثيرة وراسخة في الذاكرة العراقية عموما والكردستانية خاصة، اولها كلاله القرية التي جمعت بين ثناياها ذكريات ولقاءات واجتماعات نقشت في بانوراما تاريخ النضال العراقي القومي والوطني مواقفا ومراحلا مهمة، القرية التي كانت هدفا لتوافد كل اطياف العراقيين بحثا عن الحرية والسلام وملاذا آمنا للمقاومين والمعارضين لحكومات الدكتاتوريات التي تناسلت عبر تاريخ بلادنا منذ تأسيسها وحتى سقوط اخر نماذجها المهلهلة في نيسان 2003م.

بعيدا عن مركز العاصمة أربيل والى الشرق منها بحدود 180كم تجتمع مجموعة قرى لترتفع وسطها واحدة من اعلى قمم الجبال في العراق وهي قمة هلكورد الذي يبلغ ارتفاعها (3607)م عن مستوى سطح البحر، تلك هي محطات السلام ومقرات الثورات، انها كلاله واخواتها قصري وناوبردان وسميلان وحاج عمران بوابات السلام والحرية والديمقراطية لكل من اراد ان يحكم العراق فردا كان أو نظاما، وطيلة الرئاسات العراقية المتعاقبة انقلابا أم انتخابا بحثا عن السلام والاتفاق والوئام والاستقرار وحقوق الانسان، فقد كانت دوما محطات تلتقي فيها قيادات العراق لتفاوض المحاربين والمقاومين من الثوار والمعارضين من اجل السلام والديمقراطية.

في هذه القرى الصغيرة كان الزعيم الكردي الكبير البارزاني مصطفى واركان قيادته يستقبلون مبعوثي الحكم العراقي وقادة جيشه، ومرجعيات الشعب وفعالياتهم السياسية المدنية المعارضة والمقاومة ليضع واياهم خريطة لطريق السلام والحرية والبناء في عراق يشترك الجميع في تشكيله وقيادته على حد سواء دون تفريق او تهميش بسبب العرق او الدين او المذهب مع حفاظ حقوق كافة المكونات القومية والعرقية السياسية والثقافية بما يجعلها الشريك الحقيقي والفعلي في تأسيس وتكوين الدولة العراقية المرتجاة.

لقد اصبحت تلك القرى كلاله وناوبردان وحاج عمران اسماء خالدة في الذاكرة الوطنية العراقية حينما اجتمعت على اديمها وبين قمم جبالها قيادات العراق واطيافه وعشائره وفعالياته السياسية ولولا تنصل تلك القيادات الحاكمة عن الاتفاقيات وسوء نيتها في التعاطي الجدي والمخلص مع القيادة الكردية آنذاك لكان العراق قد جب عن نفسه الكثير من الويلات والحروب والدمار.

وتأتي اليوم اجتماعات اربيل لتكون فرصة تاريخية لخيار عراقي في ايجاد حلول وقواسم مشتركة بين جميع الفرقاء على اسس وطنية ثابتة ومصالح عليا للبلاد متفق عليها بعيدا عن التخندق الطائفي او القومي، حيث تتجه انظار كل العراقيين والعالم الى حيث الامال المنشودة في انجاز اتفاق جدي لتأسيس حكومة وطنية عراقية لعهد جديد سيكون دون ادنى شك واحد من اهم عهود التاريخ السياسي العراقي الذي يبلور تجربة ديمقراطية تصارع بشكل حاد وعنيف منذ سبع سنوات معظم القوى الراديكالية والفاشية الدينية والقومية في العراق وخارجه وربما ستكون هذه التجربة في نهاية المطاف الاكثر اثارة في المنطقة والعالم.