للأسف الشديد أننا نمتلك عددا لا متناهي من هذه الفجوات المرورية العبثية في جميع مدننا الغالية، والتي يصعب التحكم بما يجري فيها من عبث ورعونة، وخطورة، وتكسير للأنظمة، وحوادث مرورية لا يستهان بها، خصوصا وهي تحدث بين وحول فلذات أكبادنا، الذين لا يملكون تغيير ما يحيط بهم، بل إنهم يعتقدون بأن هذا هو الطبيعي!

وأنا هنا أقصد ما يحدث في مواقف سيارات المدارس، وفي الساحات القريبة منها، سواء كانت المدارس حكومية أو خاصة، كبيرة أو صغيرة، للأولاد أو للبنات. ففي تلك المناطق العشوائية يختلط الحابل بالنابل عند الدخول أو الخروج لساعات طويلة، ويسود نظام الغاب، فيجري السائق المستعجل بعجلاته من فوق الأرصفة، ويخالف مسار السير، ويقف في وسط المسار، ولا يراعي أي أنظمة للذوق العام.

ويسوق الصغار ممن لا يمتلكون رخص للسير، ويفحط البعض منهم، ويستعرض البعض الآخر قدراته المهارية أمام زملائهم، ويخرجون رؤوسهم من النوافذ والفتحات، فكأنك في مهرجان مدهش مليء بألعاب الشقلبة والقفز على الزانة، والمشي على الحبال، وسرعة وخفة اليد والقدم.

مناطق عشوائية لا وآلي لها، فلا ترى فيها أحدا من رجال المرور إلا نادرا، وإن وجد رجل أو رجلي (أمن خاص) تابعين للمدرسة، فإنهم يقفون مكتوفي الأيدي عاجزين عن ترتيب الهوجة واللخبطة والعبثية، التي تحدث أمامهم، والتي يخشون أن يصيبهم نصيبا من أذاها.

كل سائق متعنت يريد أن ينزل أو يحمل الأطفال التابعين له بأسرع وقت، وبأي طريقة ممكنة، وكأنه يعلم أن الوضع إما له أو للذئب، فيقول (يخسا) الذئب!.
والأطفال الصغار يجرون من بين السيارات ومن أمامها وكأنهم أرانب مرتعبة تتعلم الجري لأول مرة. وليس كل سائق أمين بالمحافظة على الأطفال الذين معه، فبعضهم يتركهم يجرون دون رقابة لصيقة منه. والعربات تدور، والمهرجان مستمر، والعجلات تستحل كل شيء في طريقها، فلا خطوط لمواقف تحدها، ولا علامات مرورية تمنعها، ولا أرصفة تصدها، ولا رجل أمن عاجز عن تسيير مئات السيارات يعنيها، ولا إدارة مدرسة تشرف على تنظيم الدخول والخروج من المواقف، ولا دوريات مرور تستطيع ضبط الوضع وإيقاف ما يحدث هناك من مهازل مستمرة. سباقات لصغار السن وسائقيهم يركبون إلى جوارهم مشغولين بالهواتف النقالة، والتحدث والمزاح مع أصحابهم. وتحديات على الدخول والخروج من أضيق الفتحات. وتكسير للنظام، وعنف يتولد في نفوس أبنائنا، وحوادث تحدث بين الفينة والفينة تكون قاتلة ومهلكة لفلذات أكبادنا.

إنها فعلا غابة من العجلات المتصارعة، لا يسيطر عليها إلا رحمة ربك. وأبنائنا يتعرضون للدخول فيها والخروج منها في كل يوم، والتعرض للأذى النفسي والجسدي منها، ولا أحد يتكلم، ولا أحد يتنبه لمواطن الخطورة، ولا لتزايد بشاعة الوضع.

وأنا هنا أناشد المسئولين بوزارة الداخلية، أن لا يتركون تلك المناطق مشاعة للأحداث يفرضون عليها نزعاتهم المراهقة، ولا للسائقين غير المكترثين ليعملوا فيها ما يحلو لهم بدون عين ساهرة. هذه مناطق يتعلم منها أبنائنا النظام، أو عدمه، فإن صلحت صلح البلد كله.

وما المانع أن يكون نظام (ساهر) موجود وبكثرة حول مدارس أبنائنا، حتى نطمئن بأنهم سيعودون لنا قطعة واحدة سليمة، بعد انتهاء اليوم الدراسي؟. وهل سيترك رجل الأمن الخاص البسيط (إذا وجد) يعالج هذا الأمر الجلل بإمكانياته المتناهية في البساطة؟.