مرة اخرى برهن الاكراد انهم عراقيون قبل غيرهم اولاً، ووطنيون اكثر من الاخرين ثانياً وسياسيون محترفون من الطراز الاول يمكن الوثوق بهم في احلك الظروف ثالثاَ..ومن يرى غير ذلك فليتابع مراسيم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي ظلت لمدة ثمانية اشهر تعاني من ازمة خانقة كادت ان تودي بالعملية السياسية برمتها، لولا اللمسة السحرية من عصا رئيس الاقليم مسعود البارزاني التي اعادت الحياة الى العملية السياسية من جديد..
قبل اجتماع القادة السياسيين في مدينة اربيل يوم الاثنين 8/11 استجابة لمبادرة البارزاني في محاولة لحلحلة القضايا الخلافية التي تقف حجر عثرة امام تشكيل الحكومة المقبلة، لم تكن تلوح في الافق أي بادرة امل في الوصول الى اتفاق، ولكن مع اول جلسة لهم وجها لوجه وباشراف مباشر من صاحب المبادرة، سارت الامور باتجاه اخر معاكس للاتجاهات السابقة تماما، كل شيء جرى بسرعة هائلة، اجتمع القادة في عاصمة الاقليم يوم الاثنين وعقد البرلمان جلسته يوم الخميس وفي نفس يوم الخميس اختير رئيسا البرلمان والجمهورية وتم تكليف رئيس وزراء العراق القادم بتشكيل وزارته، وانفضت المشكلة التي ظلت لثمانية اشهر quot;تدوخquot; العراقيين وكأن شيئا لم يكن!!
ربما جاءت الاستجابة الفورية لطرح البارزاني من قبل السياسيين العراقيين وبخاصة الائتلاف الوطني الشيعي، لكي يقطعوا الطريق على المبادرة التي قدمها الملك عبدالله عاهل المملكة العربية السعودية لوضع حل للحالة السياسية المتأزمة، ولايجدوا انفسهم مضطرين الى الانصياع لبنود المبادرة والالتزام بتنفيذها بفعل الضغوطات الخارجية وبخاصة الامريكية، بمعنى اخر انهم سارعوا الى مبادرة البارزاني للتخلص من مبادرة العاهل السعودي..وهذه احد التحليلات السياسية للحالة quot;الاستثنائيةquot;التي تم فيها توقيع اتفاقية المصالحة بين الفرقاء العراقيين..
مهما كانت الاسباب والدوافع وراء تلبية السياسيين العراقيين لدعوة البارزاني والاتفاق على مباديء مشتركة، فان النتائج كانت مذهلة بكل المقايس، فقد اعيد العراق الى مساره الديمقراطي من جديد، بطريقة حضارية متمدنة و تحت قبة برلمان شرعي منتخب وامام اعين العالم.. وهذه احدى المآثر التي يجب ان يفتخر بها العراقيون بكل مكوناتهم العرقية والطائفية لفترة طويلة، وتبقى تجربة شاخصة لاجيال قادمة..
لم تكن بساطة مضمون مبادرة البارزاني التي تلخصت في جملة واحدة مركبة: الاتفاق على المشتركات و الالتزام بالدستور، هي التي دفعت بالقادة العراقيين الى الاتفاق السريع عليها فحسب بل الشخصية المرموقة التي يتمتع بها رئيس الاقليم، على الرغم من صراحته المعهودة quot;التي تجرح في بعض الاحيان quot;ومواقفه المبدأية الصارمة، فانها تحظى باحترام جميع القوى السياسية في العراق، حتى تلك التي تخالفه في الرأي..
ليس سهلا على السياسي مهما كان بارعا في مجاله ان يجمع نقيضين في مكان واحد ويجعلهما يوافقا على مشروع شراكة ظلا يرفضانه لشهور ان لم يكن موضع ثقة وتقدير من الطرفين، فالمشكلة الرئيسية بين القائمتين الرئيسيتين ؛ العراقيةquot;السنيةquot;و الوطنيةquot;الشيعيةquot; المتنافستين لاتكمن في مناصب تتنازعان عليها بقدر ماتكمن بالثقة المفقودة بينهما، الثقة تكاد تكون معدومة بين الكتلتين الاكبرين.
وكان لابد لجهة ما سواء كانت حكومة او حزبا او شخصية تحظى بثقة الجانبين ان تتدخل بينهما وتتوسط للاصلاح ذات البين، فقد بحثتا طويلا لايجاد من تثقان به ليحل لهما مشكلتهما المعقدة، جابتا دول كثيرة وطرقتا ابواب منظمات عالمية وعربية، لم يبق مكان لم تذهبا اليه لطلب المساعدة ؛ مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية وتركيا وايران و جامعة الدول العربية والامم المتحدة و اخيرا نزلتا على الوساطة الداخلية والحل الذي قدمه مسعود البارزاني في مبادرته التاريخية..وخير ما فعلتا.. فقد تشكلت الحكومة بعد تعثر طويل و اعيدت الحياة الى مؤسسات الدولة المعطلة وتحركت المسيرة الديمقراطية من جديد...بكل الاحوال كانت المبادرة فاتحة خير لكل العراقيين..وهذه ابلغ رسالة نوجهها الى كل من يشكك بوطنية الاكراد وعراقيتهم.. مبروك للعراقيين في عرسهم الجديد..
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات