العراق الديمقراطي، مصطلح بتنا نسمعه يومياً لعشرات وربما مئات المرات رغم ان ما يجري في العراق يمكن وصفه بأي شيء بإستثناء الديمقراطية، فحتى ديمقراطية الطوائف المقيتة التي حاول الأمريكان ومن جاء بمعيتهم من قوى وأحزاب سياسية عراقية تطبيقها في العراق فشلت فشلاً ذريعاً ولم نرقى لممارستها كما في لبنان.نعم هنالك فوضى عارمة تضرب أطنابها في جميع مفاصل الدولة العراقية، ونعم هنالك فساد سياسي وإداري فاضح وعفن يزكم الأنوف، ونعم هنالك دكاكين سياسية تُسَمي نفسى أحزاب، ونعم هنالك عملية تجارية تُسَمى عملية سياسية لعقد الصفقات بين هذه الدكاكين، ونعم هنالك موت مجاني في كل شبر من أرض العراق،ونعم ونعم.. ولكن ديمقراطية لا وألف لا. فأي ديمقراطية بائسة هذه التي تقودها وتتحكم بها أحزاب إسلام سياسي طائفية شمولية؟ وأي ديمقراطية هذه التي يموت و يُهَجّر في عهدها من البشر و بزمن قياسي أضعاف من ماتوا وهُجِّروا في عقود الدكتاتوريات التي سبقتها مجتمعة منذ 1958 وحتى 2003؟. إن من النتائج الكارثية لهذه الديمقراطية المزعومة أن نسبة مسيحيي العراق باتت اليوم 1% بعد أن كانت 4% قبل 2003 والحال نفسه مع الصابئة والإيزيديين الذي لم تعد نسبتهم تتجاوز الأعشار بعد عمليات الإبادة والتهجير المُنظّم التي إرتكبت بحقهم من قبل قوى التطرف الإسلامي ومليشياتها. فمسيحيوا العراق يتعرضون منذ ذلك التأريخ وبشكل متواصل لعمليات قتل وخطف وتهجير كانت آخرها مجزرة كنيسة سيدة النجاة التي ذهب ضحيتها عشرات المُصلّين الأبرياء الذين كانوا داخل الكنيسة. أما الإيزيديون فيُرتكب بحقهم بين حين وآخر عمليات قتل وإبادة أبرزها حادثة الشاحنتين اللتين فجرتا في سنجار والتي ذهب ضحيتها مئات الأبرياء بين شهيد وجريح، كما أن هنالك توجه عام لمقاطعة الإيزيديين وعدم التعامل معهم أدى الى إنقطاع عشرات الطلبة الإيزيديين عن الدراسة في جامعة الموصل وأغلب جامعات العراق ووصل الأمر لدرجة عدم التردد على عيادات الأطباء الإيزيديين ومقاطعة المنتجات التي ينتجها أو يتاجر بها الإيزيديون وهو أمر يتفاقم ويزداد سوئاً مع مرور الزمن إضافة لعمليات الضم القسري التي تقوم بها بعض الأحزاب لإبتلاعهم وإضافتهم لحساباتها كرقم تفاوض به في مايُسمّى بالعملية السياسية. أما الصابئة المندائيين فهم ليسوا بمُستثنين من معادلة القتل والتهجير الذي يطالهم أيضاً بين حين وآخر ضمن مخطط كبير لإبعادهم كما المسيحيين والإيزيديين عن أرض آبائهم وأجدادهم وإفراغها منهم.
بعيداً عن هراء أغلب الساسة الحاليين عن الديمقراطية والعملية السياسية وصناديق الإقتراع التي ضربوا نتائجها بأحذيتهم ورموها بسلة المهملات بعد أن جائت نتائجها مخيبة لأمالهم ونواياهم الخبيثة، بعيداً عن كل هذا دعونا نسأل.. لماذا باتت المناصب السيادية كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان منذ ولادة الجنين الديمقراطي المفترض في2003 حكراً على مجموعة أحزاب ودكاكين سياسية تتقاسمها فيما بينها منذ ذلك التأريخ بإسم هذه الطائفة وتلك القومية بعد أن نصّبت نفسها زوراً وبهتاناً ممثلة لحقوق هذه الطوائف والقوميات ومدافعة عنها؟. فلماذا لا يكون رئيس العراق مسيحياً أو صابئياً أو إيزيدياً؟ ولماذا لا يكون رئيس وزرائه إيزيدياً أو مسيحياً أو صابئياً؟ ولماذا لا يكون رئيس برلمانه صابئياً أو إيزيدياً أو مسيحياً؟. فحينها نستطيع الحديث إبتدائاً عن العراق الديمقراطي أو إمكانية أن يصبح ديمقراطياً، أما مع إستمرارالتعامل مع هذه الأقليات الأصيلة كضيوف وكأن باقي الطوائف والقوميات متفضلة عليها بالسماح لها بالعيش والبقاء في العراق وإعطاء ممثليهم وزارة شكلية وغير سيادية،أو مع عمليات التصفية الجسدية والإبادة الجماعية والتهجير القسري الذي تعيشه هذه المكونات العزيزة من أبناء شعبنا منذ 9 نيسان2003 فيبقى الكلام عن الديمقراطية هراء وضحك على الذقون.إن هذه المكونات الأصيلة العزيزة من أبناء شعبنا والمعروفة بطيبتها و دماثة خلق أبنائها لعمري أحق بهذه المناصب ممن يتصارعون عليها اليوم ويسعون لسرقتها من مستحقيها،وهي بتسامحها وهدوئها أحق بها من المُتحزّبين المليشياويين الذين تلطخت أياديهم بدماء العراقيين، وهي بأصالتها وجذورها الضاربة بعمق أرض العراق أحق بها مِن بعض مَن جائوا من خلف الحدود ومن كل حدب وصوب ليصبحوا قادة وحكاماً للعراق، إنهم أحق من كل هؤلاء الأدعياء الذين يتصدرون اليوم مشهد العراق السياسي، كما أن المسيحيين والصابئة والإيزيديين ليس لديهم أحزاب متنفذة وإن وجدت لا تمتلك أذرع عسكرية وميليشيات لتقتل بها الناس وتروّعهم وليس لها مشاريع سياسية قومية ودينية وطائفية لتنفيذها بالعراق، فهم لا يسعون لإقامة دولة مسيحية أو صابئية أو إيزيدية كحال أغلب أحزاب الطوائف التي تتصارع اليوم على السلطة في العراق.
برأيي هذاهو أحد الحلول المهمة لمواجهة ظاهرة خطيرة تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام والمجتمع العراقي بشكل خاص منذ فترة وهي ظاهرة (موضة التديّن المفتعل) التي إنتشرت بين شرائح المجتمع المختلفة كالنار في الهشيم، في العراق تحديداً بسبب الحملة الإيمانية الزائفة التي أطلقها الرئيس العراقي السابق مطلع تسعينيات القرن المنصرم والتي وقعت ضحيتها من دون وعي العديد من شرائح المجتمع العراقي وخصوصاً الشباب، وفي عموم الدول العربية والإسلامية بسبب السياسة الغبية والساذجة التي إتبعتها الولايات المتحدة وحليفاتها من بعض الدول العربية والإسلامية خلال العقدين السابقين والتي تمثلث بدعم تيارات الإسلام السياسي لمواجهة المد الشيوعي الذي كان يمثله الإتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي آنذاك خصوصاً في أفغانستان، حتى إذا إنهار المعسكر الإشتراكي و زال خطره المفترض وجدوا أنفسهم بأنهم أمام عدو أشد خطراً بعشرات المرات من الخطر الشيوعي صنعوه بأنفسهم في لحظة جهل و غباء، وبات اليوم يهددهم ليس فقط عبر البحار والمحيطات كما كان الحال مع الإتحاد السوفيتي بل وحتى بعقر دارهم، فها هي القاعدة تظرب اليوم بعقر دار الدول التي كانت تدعمها والتي فتحت لها مكاتب لتجنيد أفرادها للقتال بأفغانستان آنذاك.إن هذه الظاهرة لم تعد حكراً على الطبقات الفقيرة والمسحوقة من المجتمع كما كان يحدث في السابق بل بدأت تنتشر وسط شرائحه التي يفترض أنها واعية ومثقفة ومتحررة، وهو أمر لم يأتي من فراغ بل من خراب سياسي سَبَق الخراب الإجتماعي وأدى لتصَدّع هذه الشرئح وإصابتها بهذا الداء. فمجتمعنا يَحكُم اليوم على الإنسان من خلال كونه مسلماً أو لا، وياليت الأمر إقتصر على ذلك، بل تجاوزه الى كونه صائماً ومُصَلياً أو لا، شيعياً أم سنياً، وهكذا، أما أخلاق الإنسان وأعماله التي يفترض أن تكون المعيار الحقيقي بالحكم على صالح البشر من طالحهم،وخيّرهم من سيّئهم فلا مكان لها في عقل و ثقافة و وعي المجتمع العراقي حالياً، والأحزاب الحالية تستثمر هذا الخراب الفكري لتحقيق أجندتها و الوصول لأهدافها، خصوصاً مع عوام محتقنة طائفياً وقومياً و وعيها الجمعي محدود وتحركه شعاراتها و أجندتها السياسية. كل هذا يدفعنا للإقرار بأن هنالك جهل وخراب فكري نتج عنه تطرف ديني وحتى قومي غير مقصود وشعور بالفوقية من قبل شرائح واسعة في المجتمع العراقي باتت ترى لنفسها بحكم كونها مسلمة شيعية كانت أو سنية، عربية كانت أو كردية، أفضلية على غيرها من الأقليات الدينية والعرقية التي تدفع اليوم ثمن هذا الخراب.إن ما إقترحه بهذا المقال ليس بفضل أو مِنّة من أحد على هذه المكونات الغالية مِن مسيحيين وصابئة وإيزيديين بل حق مكتسب لهم،كما إنه أمر سيعيد التوازن لمجتمعنا الذي يعيش حالة فقدان توازن وإنعدام جاذبية واضحة منذ سنوات، وسيعيد الإعتبار لهذه الأقليات ويحافظ على ما تبقى منها في بلدها الذي سكنته لآلاف السنين وأسست أجيالها المتعافبة بنيانه الذي نفتخر به اليوم.
قد يعترض البعض على كلامي ويصفه بالتجاوز على الديمقراطية التي يفترض أنها موجودة في العراق. وهنا أسأل هؤلاء.. أين الديمقراطية في لعبة التحالف المزعوم التي اقدم عليها الإتلاف الوطني وإئتلاف دولة القانون لقطع الطريق على العراقية التي فازت بصناديق الإنتخابات الديمقراطية؟ و أين الديمقراطية في إغلاق مكاتب الفضائيات كالبغدادية؟وأين الديمقراطية في تمَسّك رئيس وزراء سابق مُحَمل بإرث ثقيل من الفشل بمنصبه لأشهر بعد فشله وحزبه بالإنتخابات وتأخيره لتشكيل حكومة للبلاد لعدة أشهر؟ وأين الديمقراطية ببقاء وتكرار نفس الوجوه والأشخاص على رأس سلطة (سبق أن خربوها و جلسوا على تلها) وفق صفقة توافقية طائفية عِرقية مقيتة فاشلة لن يكتب لها النجاح بعيداً عن نتائج الإنتخابات الديمقراطية وإستحقاقاتها الدستورية؟ وأين وأين.. ثم مَن قال بأن العراق كان بعد 2003 مؤهلاً أصلاً لديمقراطية سائبة ومفرطة كالتي جاء بها الأمريكان وحاولوا تطبيقها فيه من اليوم الأول، بل و أمنوها بغباء أو سوء نية بأيدي غير أمينة لأحزاب إسلام سياسي وميليشيات لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالديمقراطية بكل أشكالها سواء فكراً أو ممارسةً، خصوصا بعد عقود من حكم أنظمة جمهورية عسكرية شمولية وقرون من التجهيل. فالديمقراطية تحتاج لتحقيقها وتطبيقها قبل كل شي لمجتمع واع وليس مجتمع يسوده الرعاع وتنخره الأمية كالمجتمع العراقي حالياً، كما انها تحتاج لنخبة سياسية مقتنعة بها،وليس لشلل ودكاكين وأحزاب طارئة على السياسة تستخدم الديمقراطية كوسيلة لتصل بها الى غاياتها و مِن ثم ترميها في سلة المهملات متى شاءت، ونحن لانمتلك حتى اللحظة لاهذي ولا تلك. وقبل الحديث عن الديمقراطية التي يفصلنا عن أفكارها وتطبيقاتها وممارساتها الحقيقية سنين وربما عقود، يجب أن نعلم بأن أن يكون الإنسان ديمقراطياً يعني أن يكون مستعداً لقبول الآخر وإحترامه و إحترام رأيه مهما كان جنسه ولونه ومعتقده، فكيف إذا كان شريكاً بالعيش والوطن؟. لذا دعونا نبدأ بأول الغيث وأبجدياته لعَلّ مجتمعنا يتعلم الزحف كالطفل الرضيع نحو الديمقراطية لأنه بعيد عن السير إليها كإنسان ناضج، ولنطالب على سبيل المثال بأن يكون رئيس العراق صابئياً و رئيس وزرائه مسيحياً و رئيس برلمانه إيزيدياً، وأدعوا في هذا المقال كل القوى الليبرالية واليسارية والديمقراطية التقدمية الى دعم هذا المقترح، فبتحقيقه مكسب لها و لكل العراق على حساب قوى التعصب والتخلف والظلام.
quot; كلوا خبز الشعير، واشربوا الماء القراح، واخرجوا من هذه الدنيا سالمين آمنين بحق ما أقول لكم. إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، و إن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة quot;......... من أقوال السيد المسيح (ع)
quot; قل الحق ولو كان فيه هلاكك، أتخشى الناس ولا تخشى الله؟ quot;........... قول إيزيدي مأثور
quot; لا تعترضوا على أمر ربكم، وكونوا صالحين وادعين متواضعين، ولتكن فيكم التوبة، وتحلـّـوا بالحنان والتسامح والرحمة إنها من طبيعة النورquot;.......... من تعاليم الديانة الصابئية المندائية
التعليقات