يعتبر الثلاثاء الموافق 9 نوفمبر تشرين الثاني 2010 من التواريخ المفصلية في تاريخ الأردن المعاصر.
تابعت مجريات الانتخابات على شاشة الفضائية الأردنية في ذلك اليوم، وحسب ما سمعت ورأيت وقرأت، فقد سارت العملية الانتخابية سيرا سلسا وبمهنية عالية رغم بعض الشوائب الثانوية هنا وهناك. وتميزت هذه الانتخابات بالشفافية والنزاهة وعلى مستوى من الاحترافية في إدارتها من قبل الحكومة.
مما لا شك فيه ان المتشائمين والمشككين تعرضوا لصدمة شديدة ولم تتحقق تنبؤات تجار الظلام والكآبة. وبعكس التوقعات اطاح الناخب الأردني الواعي برؤوس كبيرة متنفذة من ذوي السطوة والهيمنة على المشهد السياسي، حيث انتخب الشعب الأردني 78 نائبا جديدا مما سيغير التركيبة التقليدية ويبث روح ديناميكية جديدة في شريان البرلمان السادس عشر.
ركز الاعلام العربي بشكل عام على بعض السلبيات الثانوية المتفرقة التي رافقت العملية الانتخابية، لكنه لم يوفها حقها في التغطية الاعلامية، لذا لابد من التوقف قليلا لنتأمل هذا الموقف الاعلامي السلبي؟
المقاطعة والانسحاب
Cut your nose to spite your face
من يحرد وينطوي ويجد الاعذار لانسحابه ومقاطعته هو الخاسر في النهاية في اطار ما يسمى التهميش الذاتي وكما يقولون باللغة الانجليزية مثله كمثل الشخص الذي يقطع أنف ذاته لينتقم من وجه نفسه او كمن يجرب المسدس على قدم ذاته Shoot himself in the foot ثم يصرخ ويلوم الآخرين.
معظم المقاطعون للانتخابات ينتمون لتيارات اسلامية مختلفة وحجتهم ان قانون الانتخاب الجديد غير عادل وغير منصف. ولكن الانصاف والظلم ينطبق على الجميع دون استثناء.
من السهل القاء التهم جزافا هنا وهناك ومن خلال فضائيات ذات اجندة مسبقة ومعادية للأردن. التضخيم الاعلامي واعطاء فرصة للحاقدين والفاشلين هي لخدمة اجندات ما يسمى بجبهة الممانعة والتي اصفها بجبهة الرفض الشفهي والشعارات التي تنطلق من حناجر ذات اوتار صوتية عالية تنقلها عبر اثير فضائيات تستضيف اشاوس الاعلام ومناضلين المقاطع الصوتية الرنانة والتحرير اللفظي. ولا تحتاج ان تكون عبقريا لتدرك أن هؤلاء ذاتهم حاقدون على الأردن ومستائون من دوره الطليعي في المسيرة الديمقراطية والسياسة العقلانية بقيادة هاشمية فذة واعية حكيمة.
واقول لكم سبب المقاطعة الحقيقي ليس قانون الانتخاب بل ومن وجهة نظري ومتابعاتي للاسلاميين وتناقضاتهم خلال العشرين عاما الماضية ان السبب الحقيقي للمقاطعة هو خوفهم من هزيمة منكرة قد تمسح وجودهم من الخارطة السياسية. شعر هؤلاء ان مصيرهم الهزيمة حيث يدركوا جيدا أن شعبيتهم ومصداقيتهم تراجعت في الشارع بشكل عام حيث رفض الناس خطابهم الذي يتميز بالتشدد والتطرف ورفض الرأي الآخر وعدم قبول اي انتقاد من أي طرف. ومن الاعباء التي تثقلهم هو ان اسمهم ارتبط بالجماعات التي تلجأ للعنف تحت تسميات اسلامية مختلفة وهذا ما يسمى التورط الغير مباشر من خلال التسميات الدينية المشتركة. وكما نرى على الفضائيات باستمرار تبرر هذه الجماعات رفضها للآخر وتسويق نظرياتها بآيات قرأنية او أحاديث شريفة مأخوذة خارج اطارها ونصها الصحيح لتأكيد وجهة نظر معاصرة. أضف الى ذلك تحالفها مع جماعات واحزاب وحركات ودول اقليمية معادية للأردن.
Splitting hairs
مرحلة شطر الشعرة
الترجمة الغير حرفية لهذا المصطلح البريطاني هو التشبث بأتفه الأمور عندما تفقد القدرة على الاقناع. بعد فشلهم في التشكيك في نزاهة الانتخابات انتقلوا لمرحلة quot;شطر الشعرةquot; وفي هذه المناسبة هي التشكيك في نسبة الناخبين حيث أن 53 بالمائة لم تعجبهم وهل يرتاحوا اكثر اذا كانت النسبة 43 بالمائة وأقل وهذا لا ينزع الشرعية من الانتخابات ام يفضلوا نسبة 99.99 بالمائة والتي هي اقرب لقلوب الدكتاتوريات العلمانية والدينية. في بريطانيا ذات الديمقراطية العريقة تصل نسبة المشاركة احيانا 60 بالمائة واحيانا كثيرة اقل من 50 حسب الجو. اذا كان الطقس سيئا وماطرا تقل النسبة وفي الربيع والصيف ترتفع النسبة فما الغرابة بنسبة 53%.
الأردن منح الاخوان المسلمين الشرعية وسمح لهم بالعمل السياسي وهذا ما فشل اخوان مصر من الحصول عليه. ورغم هذه الامتيازات قرروا ان يحردوا وينتقموا شفهيا على الفضائيات.
وصف المعهد الجمهوري الدولي انتخابات الأردن بالنزيهة والصادقة وايد ذلك المعهد الديمقراطي الوطني الاميركي قائلا الأردن مثلا يحتذى به.
الانتخابات كانت ناجحة بكل المعايير العالمية وبددت الشائعات بالمحاصصة السياسية وغيرها من التوقعات الكئيبة. هناك من رأى ان البرلمان الجديد سيكون حسب مقاييس الحكومة وهذا تشكيك من نوع آخر ولا يستند على حقائق علمية. قانون الانتخابات الجديد اطاح بشخصيات نافذة ذات باع ونفوذ كبيرة في الساحة السياسية وساعد 78 نائبا جديدا من دخول البرلمان للمرة الأولى وهذه الحقيقة نسفت جملة وتفصيلا نظريات التضليل التي تنص حسب مؤلفيها ان الانتخابات ستأتي بنفس الاشخاص ونفس عناصر القوة والنفوذ.
والانتخابات التي تمت بنجاح هي انتصار للشعب الأردني وانتصار للمصلحة الوطنية وهدية العيد للشعب الأردني الذي ابدى نضوجا سياسيا.
اعلامي عربي لندن
التعليقات