كان واضحا الجهد التنظيمي الذي قام به شباب حركة العدالة والبناء في إنجاح انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في المهجر، والذي ضم قرابة ستين ناشطا سوريا، وكان لافتا أيضا نشاط الحضور الكردي ودوره وتنظيمه، وحرصه على إنجاح هذا المؤتمر، أما الرفاق في حزب الشعب الديمقراطي في سورية، فرغم كثافة حضورهم إلا أنني لمست حالة من الارتباك على هذا الحضور، رغم مشاركتهم الفاعلة كأفراد في مداولات المجلس. المستقلون كانوا الأكثر حرية في طرح رؤاهم، ومشاركاتهم.
أريد ان أسجل أول ملاحظة، والتي تتعلق بانتخاب السيد أحمد جتو بغالبية مطلقة في انتخاب رئاسة المجلس لمدة سنتين قادمتين، والذي تخلى عن هذا الحق الأدبي في رئاسة المجلس لصالح الدكتور عبد الرزاق عيد، ليصبح الدكتور عيد رئيسا للمجلس والسيد جتو نائبا للرئيس وسليم منعم أمين سر المجلس. كنت أتمنى من السيد جتو ألا ينسحب وعندما ناقشته في الأمر، كان رده أنه يتحسب من تحسس بعض الجهات داخل الإعلان باعتباره مواطنا كورديا سوريا وعضوا ناشطا في الحركة الكوردية! فقلت له: لوكان الأمر كذلك لما انتخبت بأعلى الأصوات.

وهنا لابد أن نشير إلى أنني لمست كضيف على جلسات المؤتمر، أننا لازلنا نتحسب للنقد، ويمكن أن يتحول الخلاف السياسي إلى شخصي بشكل سريع. لاأزال أرى أن مهمة الكاتب مهما كان قربه أو بعده عن إعلان دمشق أو أية حركة معارضة، مهمته الأكثر أهمية هي النقد لما يتم من أجل نشاطات وخطط عمل أكثر جدية وبناءة للعمل المعارض، وهذا أمر حاولت ممارسته مذ بدأت العمل السياسي، وسبب ولايزال يسبب لي الكثير من المشاكل مع أصدقاء ورفاق احترم جهودهم وما يقدمونه من أجل مستقبل ديمقراطي سوري. والناقد مهما كان حصيفا أو مبدعا حتى، ولكي يبقى نقده ذو فاعلية خصبة يحتاج هو وأدواته النقدية إلى نقد أيضا، لهذا لا أرى ما أوجهه أو يوجهه غيري من الكتاب والمثقفين السوريين لبنى المعارضة ومؤسساتها ورؤاها السياسية وممارساتها من نقد، وكأنه حقائق نهائية. فالحياة أكبر منا جميعا. لهذا على مؤسسات إعلان دمشق وتياراته وأحزابه أن تستمع جيدا للنقد وأن تفرد مساحة أساسية للفعل النقدي مهما كان، وتعمل على التفاعل معه.

ما تم أعتقد انه كان ناجحا إلى حد ما، ولكنه فقط ليشكل حافز لعمل أكثر مأسسة وديمقراطية ونشاطا، ونجاحه ليس مرتبطا بالقدرة على تجميع الأفراد بل بما ينتج عن مجموعهم المؤسسي وتفاعلهم من نتائج إيجابية، وهذا بتقديري قد تم، رغم ما اعترض العمل من منغصات، ولكنها ليست منغصات استثنائية بل هي منغصات يمكن لها لو أخذت مساحتها أن تعيق العمل كليا، وهذا ما تم تلافيه. ويجب أن يتم تلافيها مستقبلا.

ابن العم المناضل رياض الترك الأكثر مثابرة كان حاضرا بيننا، لماذا أذكره هنا وفي هذا السياق، هنالك ما يمكنني تسميته روحيةquot; ابن العمquot; في حضورها داخل نشاطات الإعلان، مع أن حضور الرفاق في حزب الشعب لايتناسب مع حضور هذه الروحية الحريصة من جهة، والمتوثبة من جهة أخرى، رغم ما ما يعتريها من ملاحظات نقدية لدى كثر من نشطاء الإعلان والمعارضة وأنا واحد منهم.

العلاقات المبنية على خطاب شفاهي لا تنتج مأسسة، هذه قاعدة أزعم أن فيها من الصحة الكثير، ولكونها تشكل المادة الخام لانتقاداتي لهذه الروحية، مع ذلك حاول بعض الرفاق في حزب الشعب تجاوز هذه الروحية في طروحاتهم ومشاركاتهم وحرصهم على العمل المؤسسي.

لم ألمس روحية الاتهامات والتخوين في هذا المجلس من قبل أي تيار لتيار آخر، وإن كان لا يخلو الأمر من حالات فردية محدودة جدا بالكواليس منها حالة واحدة خرجت للعلن لا أريد التوقف عندها لأن طرفيها لديهم نفس الحرص على نجاح المؤتمر ومؤسسات الإعلان! فقد غابت هذه اللغة عن أعمال المجلس وهذا مؤشر جدي. وبالمناسبة كان الحضور الحزبي والمستقل الكردي متمسكا ربما أكثر من غيره، بمخارج وطنية سورية لكل ما اعترض المجلس من منغصات، وأكثر حرصا على الوحدة المؤسسية للإعلان واستمرارها، وهذا شكل ارتياحا ملموسا وواضحا لدى الجميع وانعكس إيجابيا بشكل واضح على أعمال المؤتمر.

ثمة أمر آخر: تراجع واضح لنزعات الأنا الفردية في هذا اللقاء الهام، وهذه فأل طيب. هذه النزعات التي كان لها دوما مساحة كبيرة في تعطيل العمل المؤسسي للمعارضة عموما.
هنالك نقطة بحاجة لتوضيح حاولت في مشاركتي أن أوضحها، الإعلان سياسيا قيادة وخطابا هو في الداخل السوري، وهذه تفرض على مجلس الإعلان في الخارج لمجرد حضور أعضاءه للقاء، إقرارا بهذا الأمر الذي نص عليه النظام الداخلي للإعلان المقر سلفا في الداخل، ومجرد الإقرار لا يجوز أبدا ان يتم في اللقاء محاولات لإدخال تعديلات راهنة على مجمل خطاب إعلان دمشق السياسي، ومن يريد ادخال هذه التعديلات عليه اتباع وسائل مؤسسية في ذلك. وهذا مطب قد وقع فيه بعض المشاركين، وكاد أن يحرف مسار المؤتمر عن أهدافه، هنالك برنامج معد سلفا، المشاركون جاؤوا بناء عليه، ودون أن يطالبوا بتغييره بل حاولوا تغيير في الخطاب السياسي للإعلان وإعطاءه سمات ليست فيه.
غياب أي اهتمام أوروبي باللقاء رغم توجيه الدعوات لمؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وأعضاء برلمان، وهذا أمر ليس بجديد على المعارضة السورية، فأوروبا ليست معنية الآن بأوضاع الشعب السوري.

لم توجه دعوة لأية جهة أمريكية على حد علمي لا رسمية ولا مدنية لحضور هذا اللقاء الذي ينتظره سوريي المهجر من الملتفين حول حركة إعلان دمشق، منذ قرابة عامين.
بقي أن نقول أنه على الأمانة العامة المنتخبة لسنتين قادمتين تقع مسؤولية كبيرة، ويقع على عاتقها ترجمة توصيات المؤتمر، وتفعيل العمل المعارض في الخارج وبشكل يكرس المؤسسية ويبتعد عن الفردية والارتجالية، ويعطي صورة عمل فريق واحد وليس أفراد مبعثرين. هذا ماتنماه المشاركين وما يتمناه الجميع لهم بالنجاح.
هنالك ما يمكنني تسميته انطباعات شخصية أخرى ربما أكثفها في مقال لاحق.