نقلت الاخبار خبراً غاية في الطرافة عن منع احدى فرق السيرك العالمية من العمل في محافظة البصرة ومثل هكذا اخبار لم تعد تشكل صدمة او اي نوع من الدهشة لكنها من جانب اخر تحتاج الى المتابعة المتواصلة من قبل وسائل الاعلام وايضا تحتاج الى وقفة حقيقية من قبل كل طبقات المجتمع العراقي وفي مقدمتها طبقة المثقفين والاعلاميين وايضا كل الشخصيات البارزة اضافة الى توعية عموم الناس بخطورة هذه المواقف التي تسعى الى عزل العراقي عن العالم الخارجي وحصره في زاوية تصب في اتجاه معين و هذا الاتجاه يحاول زيفا اغتصاب سمات ديننا الحنيف وتسخيره لخدمة اهداف سياسية وشخصية لاتتفق معها حتى رموز الحوزة العلمية في النجف الاشرف.

ان هولاء الذين طوقوا خيمة السيرك بالقطع الكونكريتية وسدود التراب في مدينة البصرة الفيحاء، يصرحون بحجج مثل ان هذا السيرك نوع من الفسوق والكفر! لانه يعرض راقصات وراقصين. ولانه يستخدم حيوانات مدربة. أضافة الى كونه يشغل الناس عن العبادات!

ورغم محاولة البعض بان يغير الحجج لاحتواء ردود الافعال من خلال التصريح مثلا بان الارض التي أقيم عليها السيرك هي أرض مخصصة لاحدى الداوئر الرسمية العراقية، لكن هذه الحجج الواهية لاتنطلي على صغار القوم قبل كبارهم.

ومثل هذا السلوك يجب التصدي له ايضا بشكل رسمي وشعبي والا سنصل الى يوم وصل له قبلنا مسلسل quot; طاش ماطاش quot; السعودي عندما قرر في البداية مجلس البلدية عزل البنات عن الاولاد في المدارس وتطورت الامور الى عزل النساء عن الرجال في الشوارع ووصلت الامور ببناء اسوار داخل المدينة الواحدة لعزل الاناث عن الذكور ليتم التصويت بعد ذلك في نفس المجلس عن صيغة تنظم العلاقة بين الزوج والزوجة من خلال فتحات معينة في الاسوار التي تم بناؤها بين شوارع المدينة الواحدة!

ولاننا في العراق نعمل على الريادة في كل شيء فان القلق هنا ياخذ حيزا اكبر واخطر من محاولة الابداع حتى في التخلف من خلال مثلا البحث في طبع عملة عراقية متداولة واحدة للذكور واخرى لتداول الاناث، حتى لايتم التلامس بالبصمات مثلا بين الذكور والاناث من خلال تداول العملة الوطنية الموحدة !! ومن يرى مبالغة في هذا التصور فاني احيله الى خبر كنت قد كتبت مقالة سابقة عنه عن تأسيس بنك للنساء فقط في احدى المدن العراقية العريقة. كما أحيله الى مقالة اخرى لي تحت عنوان quot; الثقافة حرام في العراق والسرقة حلال quot; عن المنع الثقافي والفني الذي جرى من قبل مجلس محافظة بابل في مهرجان بابل الاخير قبل عدة اسابيع وليس اكثر.

ان الذي يرتجف من خيمة السيرك ويخشى من فكرة بناء دار اوبرا في البصرة العريقة وكل مدن العراق الاخرى وان الذي يرتعد من مفردة مثقف وثقافة ويخاف من الرياضة والرياضيين هذا لايصلح للمساهمة في بناء حياة كريمة وواعية ومتوازنة بين السماء والارض. وان الذي لايعرف مكانة البصرة الثقافية والابداعية الرائدة وحتى الدينية من ضمنها و في كل المجالات، مثل هذه الرموز هي الاخطر على البصرة وعلى كل العراقيين مهما كان نوع الشعارات المرفوعة او الهئيات المستخدمة.

فالعراق بلد رائد في الثقافة والفن وفي الدين والحضارة والعراق بلد متنوع في تركيبته الاجتماعية، ومن يتجاهل هذه الحقائق التاريخية اما انه يعيش في عالم اخر او أنه يحاول استخدام الدين وتسخيره لخدمة اغراضه وأجندته الشخصية.. او انه وهذا الاجدر بالمتابعة ينظر بعين الريبة والشك والحسد الى الحيوانات المدربة والملتزمة التي يتم عادة استخدامها في العاب السيرك.


[email protected]