من اغرب ما قرأت خبر يقول quot; مصر بدأت حملة دبلوماسية وإعلامية لتجميل صورتها قبل الانتخاباتquot;، ما أثار دهشتي هو أن الحملة موجهة للكونغرس والرأي العام الأمريكي، ويقودها شخصيات سياسية من خلال شركة تسمى quot;بالم جروبquot; مقابل 4 ملايين دولار، سبق وأن نجحت في إثناء الكونغرس عن مناقشة تقرير قدمه عدد من أعضائه حول quot;الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصرquot;، أما الشق الأخر يقوده إعلاميون ينشرون في صحفهم مقالات عن إنجازات الحكومة المصرية ومن بينها quot;واشنطن بوست quot; quot;وول ستريتquot;و quot;نيويورك تايمزquot; بالتنسيق مع السفارة الأمريكية في واشنطن.

لا اعتقد أن زعيما أو نظاما سياسيا أيا كان لا يحب أن يشار إليه بالبنان، ويرغب في الاستمرار في السلطة بإرادة الناس وليس رغما عنهم، وبإمكان أي حزب حاكم فرض نفسه على الواقع بانجازات حقيقية يشعر بها المواطن البسيط، وانتشاله من واقع مأساوي يلفه التوتر الناجم عن ضغوط حياتية، وعدم تركه لمشاعره السلبية، فلا يجد وسيلة للتنفيس عن هذا الغضب سوى في أن يفترس مواطن مثله، حتى باتت جرائم القتل اليومية أمرا عاديا في مجتمع كان أهم ما يميزه الرضا بالقليل.

وحين يحدث هذا التوافق بين الحزب الحاكم والشعب، لن يلجأ النظام إلى تحسين صورته في الخارج ستتغلب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، وسيعرف كل طرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات، لكن ما يحدث هو أن من في السلطة يحاول الاستمرار فيها بشتى الوسائل، بقانون الطوارئ، وتزوير الانتخابات، بالتأمر لإغلاق الصحف والقنوات وتهديد القائم منها إذا خرج عن الخطوط الحمر، وفي الخارج يريد النظام إصلاح ما أفسدوه في الداخل، وبدلا من تركيزه على إصلاح الداخل، يلجأ لquot;مرتزقةquot; وهم أعضاء سابقين كي يروجون لصورته بين أعضاء الكونغرس، وفي مراكز صنع القرار، وفي أوساط الرأي العام الأمريكي من أمثال توني بود ستا وبوب ليفنغستون.

اللجوء للإعلام الأمريكي لم يكن جديدا، إلا انه جاء بعد الهجمة الشرسة على وسائل الإعلام في مصر، والتي يعتقد البعض أنها قد تخفف من حدة الامتعاض السائدة ضد الحكومة، باعتبار أن فبرامج quot;التوك شوquot; كانت وسيلة للتنفيس عن غضب الشعب وإحباطه، والآن سيلجأ الشعب إلى البديل بمتابعة قنوات إخبارية تلعب على التناقضات الموجودة في المجتمع المصري، وكلنا يذكر ما حدث في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة حين ركزت بعض القنوات على قضية quot;معبر رفحquot; وكانت تقول انه مغلق دائما، وكأن مصر هي التي تحارب أهلنا غزة، وحصرت القضية في قضية معابر، ولم يكن لدينا إعلاما قويا للرد ويحكي لي زميل يعمل في قناة إخبارية أن مسئول التحرير أعطاهم تعليمات بالا يبثوا أخبارا عن فتح المعبر حتى ولو كانت صحيحة.

مصر الرسمية إذن تدرك أهمية الإعلام لكن هذا الإدراك يختلف من مرحلة لمرحلة quot;حسب هواهاquot; بدليل لجوؤها إلى شركات دعاية وعلاقات عامة أمريكية لتحسين صورتها في الولايات المتحدة، انطلاقا من أن الإعلام هناك يستطيع تغيير سياسيات حكومية معينة تجاه قضية ما، فحين تناقش قضية داخل الكونغرس مثل quot;المعونات الممنوحة لمصرquot; أو الديمقراطية وحقوق الإنسانquot; تستطيع جماعات الضغط التأثير في هذه النقاشات ودفعها في اتجاه معين، والنظام المصري لا يريد quot; وجع دماغquot; وضغوطات معينة في مرحلة حاسمة في تاريخ مصر الحديث.

وفي وقت الأزمات تلجأ الدول على اختلاف مستوياتها إلى توجيه الإعلام بما يتوافق مع سياساتها حدث ذلك حين منعت الولايات المتحدة في حرب العراق الإعلاميين المستقلين من بث رسائل لا تتوافق مع الأهداف الأمريكية، ووصل الأمر إلى حد ممارسة التصفية الجسدية لهؤلاء الإعلاميين، في مصر تمارس الحكومة سياسة quot;العصا والجزرةquot; أي quot;التهديد والوعيدquot; واستغلال تحالف رجال الأعمال في ضرب بعض المنابر الإعلامية، وهذه هي مأساة مصر المرتبكة حاليا لكن يبقى الأمل قائما ففي الملحمات التاريخية القديمة ينتفض بعض الأمراء على الملك بسبب طغيانه وعجزه عن حل مشاكل شعبه، وبين هذا وذاك هل بإمكان النخب الواعدة أن تدرك أن مصر لا تسير على الطريق الصحيح، وان مصالحها في خطر وتنتفض وتضع نهاية لثلاثين عاما الفشل فيها أكثر من النجاح.

إعلامي مصري