جسد الأمة العربية والإسلامية لم يعد في زمننا كالبنيان المرصوص، بل إنه لا يوجد به شبر دون طعنة من رمح، أو ضربة من سهم. والعيد في كل عام يمر علينا كئيبا حزينا، ونحن بحال من التردي أكثر من الذي قبله. عيد مليء بالحرقة والحسرة والتشاؤم والخوف. وأنا هنا لست بمبالغ، ولكني أنظر للواقع المرير من حولنا، وأنظر لمستقبل الأجيال القادمة، فأجد أن الوضع فعلا يدعو للتشاؤم.

ففي طرف الأطلسي تتفاقم مشكلة الصحراء الغربية، وتلتهب أكثر وأكثر، مع مرور الوقت، ومع إصرار الأخوة الأعداء في الجزائر والمغرب على مسخ الهوية الصحراوية كليا، أو تضخيمها لدرجة الانفصال!. وفي موريتانيا انقلابات وحركات سياسية قبلية عنجهية، تجعل الحال متذبذبا لا يُعرف له مستقر. وفي ليبيا يعجز العقل الواعي عن الوقوف على نظرة عقلانية منطقية لما يجول فيها وحولها من تخبط وتناقضات مضحكة. وفي جنوب السودان يحصل الاقتراع على أكبر عملية انفصال بين شعبين لم يتمكنا من الإتحاد مع بعضهما، بعنصرية وظلم وتعنت. وفي اليمن تزداد لهجة الحيرة، والرغبة في الانفصال بين الشمال والجنوب حدة، خصوصا مع ضعف الحكومة الجلي في السيطرة على الأوضاع الداخلية، وتهوينها لما يحدث، وعدم البحث في واقعها عن الأسباب. وفي لبنان حدث ولا حرج، فقد تم الانفصال المتعدد الفعلي على أرض الواقع، وإن لم يظهر ذلك على خرائط الجغرافيا. وفي سوريا منظور لا يعرف الصديق من العدو، وتحير حيرته، وتتوقف عقارب ساعاته، ويتجمد الزمن حوله في انتظار ما لا يحصل. وفي دول الخليج العربي تشاهد الحركات المطالبة بالانفصال، وتشاهد (الديمغراطية)، العصبية القبلية تهدم كل أمل بالأمن والأمان. وفي فلسطين المحتلة تتوسع الهوة بين المحتلين المنفصلين، فتصبح غزة جزيرة مقطوعة معزولة مجوعة منبوذة لا تمت للضفة بصلة، ولا تتمكن من مجرد التواجد الفعلي كدويلة، بعنجهية سياسية ظلامية تقتل أمال الشعب المسلوب الإرادة. وفي جنوب السعودية تتحرك الحركات الحوثية بشكل مستشري مقلق مزعج، لا يظهر أنه إلى خير. وفي مصر تعلو لهجة الفرقة بين القبطيين والمسلمين، والتي يذكيها الظلام والجهل والإرهاب، ويجعلها تنذر بالقادم المشئوم. وفي العراق يحمى وطيس الفرقة والتفكيك إلى شعوب وقبائل ليتناحروا. والصومال بها ما بها من عبثية وخوف وجوع وقهر وتخلف وتردي. وفي أفغانستان حرب ظلام تدور رحاها ليل نهار منذ ما يقارب الثلاثة عقود. ظلام لا بوادر تلوح في الأفق على زوال حلكته المتجددة. وفي الشيشان قروح وجروح لا تندمل. وفي باكستان وكشمير تفور حمم بركان الظلام، الذي سيأتي على الأخضر واليابس. وفي إيران خبل ظلامي يجعلها تمد أياديها سياسيا ومذهبيا وإرهابيا في سائر محيطها، بل وتحاول ما هو أبعد من ذلك في جميع أصقاع الأرض.

وبسؤال بسيط عن سبب هذا التردي وهذا التفكك و تلك الحيرة، تجد أن الجواب بسيطا، وهو أن جميع حكومات الدول العربية والإسلامية تُغلب منطق الجهل والقهر على شعوبها وترعاه. وتسمح للظلام بأن يتكدس في عقول شعوبها. وتترك العنان حرا طليقا للإرهاب والخوف، ولا تراعي حقوقا للإنسان، ولا تسعى لرفعة الشعوب.
دول تسعى فقط للبقاء كحكومات، وتعتقد أن العالم من حولها غبي لا يتحرك ولا يتطور.
فكل عيد وأنتم أخوتي العرب والمسلمين بخير ونور.

د. شاهر النهاري