أكتب هذه المقالة بمثابة اعتذار علني للصديقات والأصدقاء الذين يعيشون في الدول العربية، فبسبب الخوف عليهم قررت قطع علاقتي بهم ووقف جميع الأتصالات معهم، فكما هو معروف ان جميع الرسائل الألكترونية والعادية والأتصالات الهاتفية القادمة من الخارج تخضع لمراقبة أجهزة المخابرات في تلك الدول، وبعد ان نشرت مواقفي المعجبة بدولة اسرائيل في إيلاف شعرت بالخوف على هؤلاء الصديقات والأصدقاء من تهمة التعامل مع شخص يعتبر بنظر تلك الأجهزة من الموالين لاسرائيل.

ولست مستبعداً ان يتم اعتقالهم بتهمة الاتصال بشبكة تجسسية تابعة للموساد الاسرائيلي ويعرضون على شاشة التلفزيون كأحد الأنجازات الكبرى لأجهزة المخابرات في تلك البلدان، بل في إيران يعتقل فوراً السائح لمجرد حملة جواز سفر أوربي أو أميركي وتوجه له تهمة التجسس!

ولعل بعض القراء يتساءلون: لماذا المجازفة والاجهار بالآراء المؤذية والتي تسبب المتاعب لي؟

وجوابي هو: ان من طبيعة الحرية التي هي تكوين فطري في الأنسان ان تبحث عن متنفس لها وتحاول التجسد في الكلام والسلوك، فالأنسان حينما يجد نفسه في الأجواء الأجتماعية والسياسية التي تحترم حرية التفكير والتعبير والسلوك.. سوف يندفع حتما للتعبير عن أنسانيته كمخلوق حر يرى الحياة والأحداث من منظوره الشخصي هو، وليس حسب قولبة المجتمع له والذي يريد ان يلغي فرديته ويصادر حريته تحت ذريعة الثوابت والأسس والأصول والتقاليد والأعراف... الى آخر سلسلة مفردات الحجج القمعية المصادرة للعقل والمشاعر ولوجود الأنسان كفرد حر.

علما كان من الممكن ان أكتب في مجالات الفن والرياضة وحتى في السياسة كتابات متصالحة مع الجميع، وأحقق الشهرة والمال والدعوات والسفرات... وأجنب نفسي كل هذه المشاكل والمتاعب التي لم أستفد منها شيئا على الصعيد المادي اذ انني أكتب مجانا من دون مقابل مالي، وكذلك لم أكسب منها أية شهرة ايجابية سوى كراهية غالبية الناس، ولكني لاأبالي بكل هذه الخسائر مادامت قد كسبت حريتي وأستطعت التعبير عن فرديتي وانسانيتي بالشكل الذي يلبي قناعاتي وتوقي الى أن أكون أنا نفسي وليس كما يريدني الأخرون.

حينما كنت أعيش في البلاد العربية.. تلوث وعي السياسي بالشعارات القومية والأسلامية والشيوعية التي كانت تبثها وسائل الاعلام ليل نهار ويتداولها الناس في كل مكان... وتكدست فيه وأحتشدت المفردات الغوغائية، والجمل الجاهزة التي تفسر كل شيء يحدث دون عناء التفكير والتحليل الواقعي المعرفي، وعند مغادرة المنطقة العربية تخلصت وتطهرت شيئا فشيئا من تلك الغوغائية والفكر الدوغماتي الجامد وعدوانية الأيديولوجيا: القومية والأسلامية والشيوعية، وأتجه تفكيري السياسي بأتجاه تحليل الواقع كما هو بعيدا عن الأفكار الجاهزة، وأصبحت مؤمناً بالاتجاه الوطني ( القطري ) المعني بمصالح العراق فقط، وهذا الأتجاه أصبح له الكثير من المؤيدين في بلدي.

فالعراق لاتوجد لديه حدود مشتركة مع اسرائيل وليست له مشاكل مباشرة معها، وخُدعنا عندما كان يردد على اسماعنا الاعلام العربي أن شعار اسرائيل التوسعي هو من الفرات الى النيل، وان جميع الشعوب العربية معرضة للخطر، فأذا بنا نشهد أنسحاب اسرائيل من الأراضي المصرية والأردنية واللبنانية، وهي جاهزة للتفاوض والأنسحاب من بقية الأراضي العربية، ووفق مفهوم الأتجاه الوطني القطري.. لامعنى لمعاداة اسرائيل، بل كان خطئا كلف الكثير من الضحايا البشرية والخسائر المالية أشتراك العراق في حروب 48، و67، و73 ضد اسرائيل التي لم تكن في حالة حرب معه.

واليوم من يقتل أبناء شعبي في العراق بالمفخخات والأحزمة الناسفة هم العرب والمسلمون، فالعرب الذين تعاطفنا معهم قومياً تدفقوا بالآلاف على العراق لذبح أبناء شعبنا بشكل جماعي، والمسلمون من إيران وغيرها يمارسون التخريب والقتل داخل العراق كل يوم، ولم نسمع عن أي شخص اسرائيلي حاول تفجير نفسه أو زرع مفخخة لقتل العراقيين، أعرف سيقول أصحاب العقول المريضة بنظرية المؤامرة والتي تتحرك وفق ألأحكام الجاهزة دون تفكير... سيقول هؤلاء ان ما يجري في العراق من خراب وسفك للدماء هو ( مؤامرة أميركية اسرائيلية ) لتشويه سمعة العرب والمسلمين، وأجيبهم: وهل ان العرب والمسلمين ملائكة، أنظروا الى حجم التخلف والهمجية في هذه المجتمعات، والى كمية الكراهية والأحقاد فيما بينها، فهذه المجتمعات لديها الأستعداد لأرتكاب كافة أنواع الشر والاجرام، وهي جاهزة لتبرير كل شيء من دون الشعور بالخجل والذنب والعار، فالتخلف لايحكمه منطق وهو مفتوح على جميع ابواب الخراب والدمار والشر وارتكاب جرائم الإرهاب والقتل!
[email protected]