لايمكن وصف ماحدث في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب العراقي إلا بصفة المهزلة! فبعد ثمانية شهور عجاف من المفاوضات الماراثونية و محاولات إصطناع النصر المؤزر، و التشكيك بنتائج الإنتخابات و عمليات الفرز وغيرها من القضايا الفنية، وبعد سقوط عشرات الآلاف من الشهداء من بسطاء الشعب العراقي بسبب عمليات الإرهاب المتوحش للبهائم الإنتحارية المفخخة بسبب فشل النظام الأمني و الإستخباري العراقي وعمليات الرشوة والتزوير و شراء الذمم التي مزقت العراق بشكل مطلق، تمخض الجبل فولد فأرا وكان فأرا ميتا أيضا!!

إذ أن نوري المالكي قد عاد لدورة رئاسية جديدة ستكمل دورته الدموية الفاشلة السابقة، كما عاد جلال طالباني ليكون رئيسا لجمهورية العراق رغم علله و أمراضه وكبر سنه! ولكنها حسابات التوازنات العرقية والطائفية التي خططت ورسمت لكل شيء وفرضت في جلسة برلمانية واحدة مالم تستطع أشهر طويلة من المفاوضات العبثية فرضه و تحقيقه، والسؤال إذا كانت الأمور تتسم بالتوافق وفق أسلوب ( شيلني و أشيلك ) فلماذا كانت الإنتخابات إذن والتي إستهلكت من الطاقات و من الأموال ما أستهلكته لم تستطع أن تفرض نتائجها و إستحقاقاتها بسرعة فلماذا كانت إذن؟ ولماذا كل هذه الضجة الزائفة على عرس برلماني كان فاشلا منذ البداية وكان مجرد ( عرس واوية ) لا قيمة له، لقد إنتخب البرلمان العراقي الفاشل المعوق رئيسا له وكان السيد أسامة النجيفي كما أنتخب نائباه ( طيفور الكردي ) و ( قصي الصدري )! وطبعاوفقا لمبدأ التحاصص الطائفي و العرقي، إلا أن هذه التعيينات لا تعني شيئا بالمرة أمام البدعة الحكومية العراقية الجديدة التي ستؤسس لمفهوم سلطوي جديد و مبتكر يستحق واضعوه ومن خطط له جائزة نوبل وهو مفهوم ( حكومة التناطح ) الرئاسي بعد إستحداث منصب جديد غير معروف ولا مسجل في دوائر الإشهار العقارية في العالم وهو منصب ( رئيس مجلس السياسات الستراتيجية ) بصلاحيات تنفيذية!! وهو منصب موازي في المقدار و معاكس لربما في الإتجاه لمنصب رئيس الوزراء و القائد العام للقوات المسلحة الذي شغله من جديد نوري المالكي!

بينما ستؤول زعامة المجلس الستراتيجي الجديد للرفيق إياد علاوي! مع ملاحظة إن ما بين الطرفين المتناطحين ماصنع الحداد!، أي أن التناطح الرئاسي الجديد سيفتح بالضرورة أبواب جهنم عراقية حمراء جديدة! ومخطيءكل الخطأ من يعتقد بأن الإختراع السلطوي العراقي الجديد سيهدأ الموقف المحتدم في العراق و سيفرض نهايات أمنية ناجحة لإنهاء الإرهاب و مصائبه!، فمن الواضح إنه لولا ( تليفونات وهواتف الرئيس الأمريكي أوباما ) ما تحقق شيء؟ ومن الواضح أيضا بأن النزعة الإستبدادية وخاصية العناد التي يتميز بها نوري المالكي على إعتبار أنه قد أكل من كبدة الذئب! إضافة لمواقف إياد علاوي فإن العجلة الحكومية العراقية ستشهد تأزما واضحا يمكن التكهن بطبيعته منذ اليوم!، لن تمر القرارات أبدا، وستحدث المناكفات، وسيتزايد الصراع حول المناصب التعيينات، فحزب الدعوة وقادته يخططون لهيمنة سلطوية طويلة و يزرعون عناصرهم في كل مفاصل الدولة إستنادا للتجربة البعثية السابقة! و كلمة ( ما ننطيها ) التي أعلنها سابقا و علنا نوري المالكي هي تعبير عن ستراتيجية الزحف و القضم الدعوي المدعومة بوسائل و إمكانيات السلطة، وعلاوي يعرف و يعي جيدا بأبعاد و مضامين تلك اللعبة المالكية وهو بالتالي سيتربص الدوائر برئيس الوزراء و سيكون بمثابة ( سكين في خاصرة القائد العام )! و بما سيعرقل آليات عمل الدولة العراقية العتيدة التي لن تستطيع حل أيا من المشاكل الحقيقية التي تواجه البلد أي على العكس تماما من رؤية رئيس الوزراء الذي إعتبر إعادة تعيينه بمثابة تأسيس للدولة العراقية الجديدة!!

مجلس السياسات الستراتيجية الجديد سيتصادم بالضرورة مع صلاحيات رئيس الوزراء وذلك بحكم طبائع الأمور و تقلب الأمزجة وصراع الإرادات و صدام الولاءات! أي أن العراق سيحكم بحية أو أفعى سلطوية ذات رأسين.. أولها رأس دعوي و ثانيها رأس يضم مختلف الزوايا و التوجهات

و الله يستر من المرحلة العراقية الجديدة و من السياسات الستراتيجية ومن سموم ( الحيه أم رأسين )..!

[email protected]