quot;إعلان دمشق في الداخل أصبح في غرفة الانعاشquot; وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء ومن الناشطين في الإعلان سابقا وحاليا فيها هذه العبارة، إضافة إلى رسائل أخرى تؤكد على أن وضع المعارضة عموما في الداخل السوري لا تحسد عليه، وهي عبارة عن لقاءات محدودة ولأشخاص قليلي العدد، كما يستشهدون باستقالة المناضل رياض سيف وابتعاد بعض رموز إعلان دمشق في الداخل عنه، إضافة إلى أنه تعرض إلى مزيد من المزايدات من قوى معارضة اخرى، حتى أن في هذه الرسالة، يشير كاتبها إلى أنه بعض المثقفين ضمن فضاء الإعلان قد تخلوا عنه، باعتبار أنه تحول إلى إطار محدود النشاط والفعالية. والأخطر في هذه الرسائل أنها تؤكد على فكرة واحدة وهيquot; أنه لولا مثابرة المناضل رياض الترك وبعض الشخصيات المتوافقة معه إضافة إلى بعض الأحزاب الكردية، لما بقي أي أثر للإعلان في الداخلquot;.

ترددت في كتابة هذا المقال، لكوني أعرف أن المتربصين بالمعارضة السورية الديمقراطية أكثر من أن نحصيهم، لكنني بعد ترددي هذا شعرت أنني يجب أن أكتب عن هذه المعطيات بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها، لكي تعرف المعارضة السورية وخاصة في الخارج أن هذا الأمر يلقي على عاقتهم مسؤولية أكبر وأكثر مثابرة من السابق، وخاصة بعد انعقاد المجلس الوطني للإعلان في المهجر.

كنت قد كتبت أكثر من مرة أن المعارضة السورية لم يتغير عليها الكثير، وهي في تاريخها منذ أربعة عقود لم تعرف سوى ذروتين لنشاطها، الأولى في الثمانينيات من القرن الماضي، رغم ما كانت تتعرض له من عسف واعتقالات واسعة ومتشددة، والذروة الثانية هي مع تشكيل إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني، أي خارج هاتين الذروتين، لم يكن هنالك أطر تحالفية تذكر في الحقيقة، خطأ جبهة الخلاص والذي كتبت عنه سابقا كثيرا ومنذ تشكلها، أنها استندت أكثر من اللازم على اللحظة الدولية والأقليمية دون أن تتمكن من ترسيخ جذورها، مع أن هذا لا يتطلب منها عدم التعاطي مع هذه اللحظة، بل يجب أن تتعاطى معها، وهذا أيضا بشكل عكسي كانت ملاحظتي على إعلان دمشق، أنه اعتقد أن اللحظة الدولية والإقليمية يمكن أن تنتظر أحد أو يمكن أن تطول، وكان التعاطي معها سلبيا إلى حد ما ونتيجة لعوامل لسنا بصددها الآن.

خارج هذا الزمن، ما نعيشه اليوم مع كل مافيه من تراجع على هذا المستوى لايزال أفضل من كل ما مرت به المعارضة في تاريخها من زاوية الفعالية والإمكانيات المفتوحة نسبيا في حال، غيرت هذه المعارضة من طرائق تفكيرها وعملها، خاصة أنه من الواضح الآن أن هنالك قوى وشخصيات غير السلطة السياسية وأمعاتها، تريد الإجهاز على ما تبقى من الإعلان. وهنالك من تسائل بخبث أو عن طيب نية: لماذا لا تقوم السلطة، بالقضاء على إعلان دمشق طالما يمكن أن يشكل خطرا مستقبليا، وذلك عبر اعتقال رموزه كلهم ورميهم في السجن، كما تفعل عادة؟ هذا سؤال أطرحه على الجميع...

لهذا دعونا نتحدث بصراحة ومكاشفة حقيقية، هذه القوى كانت بين ظهرانينا وخاصة إصرار بعض قوى الإعلان على الاحتفاظ بالتحالف مع هذه القوى وهذه الشخصيات، وهذه النتيجة، لا عيب في أن نظهر ما مررنا به من سلبيات.

ينهبون البلد ويفقرونه وقد طيفوه وتركوا أطفاله تبحث في المزابل- تقرير اليونيسيف الأخير عن وضع الطفولة في سورية، التقرير الفضيحة- ومع ذلك تزايد كوكبة مخبريهم على المعارضة، ومستفيدة من ضيق أفق بعض المعارضين، الذي يحتاج وحده إلى مجلدات لبحثه، المشكلة ليست لدينا وحدنا، هذه زعيمة المعارضة البورميةquot; أونغ سان سو تشيquot; الغنية عن التعريف بعد أن قضت سبع سنوات في السجن خرجت لتقول يجب إسقاط نظام الطغمة العسكرية بطريقة حضارية، صحيح الوضع لا يقارن بين سورية وبورما. لكن الوضع شبيه من زاويا أخرى، فكما أن هنالك الصين إلى جانب استمرار الوضع البورمي، لدينا أيضا إسرائيل هنا وكل وزنها في العالم الأوروبي والأمريكي. صحيح أن الغرب عندما يريد ويقرر في أمر ما يراعي إسرائيل لكن شرط ألا تتضرر مصالحه، كما يراعي الصين أيضا. لهذا أهملت بورما سبع سنين وأكثر ربما، وكذلك سورية وغيرها من ديكتاتوريات المنطقة وتركت شعوبها لمصيرها.

أربع تيارات الآن تخلت مؤقتا أو بشكل دائم عن المعارضة الديمقراطية في سورية، وهي التيار القومي تقريبا، والتيار الإسلامي وبعضا من التيار اليساري إضافة إلى أكثرية المثقفين والكتاب والأدباء السوريين،ربما معهم حق في ذلك وربما لا، هذه متروكة للبحث والتقييم الخاص.

يضاف إلى ذلك إلى أن اللحظة الدولية لاتزال لحظة إسرائيلية بالدرجة الأولى تجاه سورية كما كانت من قبل، ماخلا لحظة شيراك- بوش نسبيا. كلنا يتذكر كيف عاملت إسرائيل الرئيس القرنسي جاك شيراك في أكثر من مناسبة قبل اغتيال الحريري وبعده. ورغم ذلك وعكس ما ورد في آخر كتاب فرنسي صدر حديثا عن حكم شيراك للصحافي الفرنسي فانسان نوزيل laquo;سر الرؤساءraquo;، بأنه كان يريد إسقاط النظام السوري، أبدا هذه القضية لم تكن مطروحة عند الرئيس الفرنسي ولا عند الرئيس الأمريكي جورج بوش، كما ورد في ذلك الكتاب، بل كل ما هو مطروح هو فتح ثغرة في جدار الاستبداد إن أمكن إضافة إلى إنهاء ذيول نظام الوصاية في لبنان، وكف يد النظام عن دعم الارهاب في العراق.
يبقى السؤال كما طرحه بعضنا، هل من الضروري الحفاظ على إعلان دمشق وهيكليته؟

من وجهة تظري أقول أنه من الضروري والضروري جدا الحفاظ على أطر تحالفية في المعارضة ومنها إعلان دمشق، لسبب ربما لا يلتفت إليه أحد، وهو هام برأي للمعارضة ولمستقبل سورية، وهو الاستمرار بوجود أطر لها تمثل كل أطياف الشعب السوري وتياراته، على الأقل من الزاوية الرمزية تشير إلى: استمرار مقولةquot; السوريون قادرون على التعايش والنضال المشترك ديمقراطياquot; وهذه قضية لها معنى علينا التفكير فيه.


هذه النقطة يجب أن تسعى المعارضة في الخارج على إعطاءها مزيدا من الاهتمام والمأسسة.
وأخص هنا بالذكر الحركة الكردية بشكل عام، عليها أن تساهم وتتواجد بكل فصائلها بالخارج داخل هذه الأطر ذات السمة المافوق قومية على المستوى السوري، من أجل هذا الهدف على الأقل. ولتترك كل الخلافات جانبا، والتحالفات تقوم دوما على برامج الحد الأدنى.

من هذه العوامل وغيرها أرى من الضرورة بمكان الحفاظ على إعلان دمشق أو قيام تحالف جديد، ولكن ليس كإيقونة مقدسة غير خاضعة للنقد والمساءلة.