العنوان أعلاه هو ما ردّت به محكمة الجزاء التركية العليا، في آمد، على الساسة الكرد. هكذا، وبكل بساطة، أنكر القضاء التركي لغة شعب يفوق تعداده الأربعين مليون نسمة. بهذا الشكل كشفت حكومة حزب العدالة والتنمية عن نواياها المبطّنة حيال الكرد وقضيتهم.

رجب طيب أردوغان استقبل باللغة الكردية افتتاح الفضائية الكردية quot;ترت ستةquot;، التي باتت أكثر خطورة على الكرد من القنوات التلفزيونية التركية مجتمعة، لما تلعبه من دور في الترويج والدعاية للخطاب الرسمي التركي، المعادي للكرد والرافض لأي اعتراف بحقوقهم المشروعة. كذلك، قال مسعود البارزاني رئيس إقليم جنوب كردستان، في حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، بأن أردوغان استقبله في أنقرة، في آخر لقاء جمعهما، باللغة الكردية.

الموقفان السابقان قد يدفعان أي شخص للقول بأن هناك بوادر انفراج على اللغة الكردية، وبالتالي على القضية الكردية برمتها في تركيا. لكن، ماذا يقول المرء بعد هذا الموقف الإنكاري والعنصري للمحكمة التركية؟.

الساسة الكرد الذين يتم الحديث عنهم، والبالغ عددهم 1700، اُعتقلوا في فترات مختلفة من حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات التركية في 14 نيسان 2009. أما عن التهمة فهي العضوية في حزب العمال الكردستاني. قسم من هؤلاء الساسة، الذين بدأت محاكماتهم في 18 تشرين الأول وأُجّلت إلى 13 كانون الثاني، طالبوا هيئة المحكمة بالسماح لهم بالدفاع عن أنفسهم باللغة الكردية. لو أن ردّ الهيئة اقتصر على الرفض لربما مرّت القضية بسلام بعيداً عن كل الضجّة التي أحدثتها، لكنه تجاوز الرفض إلى القول إن quot;اللغة الكردية لغة غير معروفةquot;.

موقف المحكمة هذا لاقى معارضة واسعة من جميع فئات وشرائح المجتمع الكردي، ومن بعض القوى الديمقراطية التركية والأوروبية، وخرجت مظاهرات حاشدة منددة في تركيا، وبالتحديد في المناطق ذات الغالبية الكردية، وكذلك في أوروبا، تطالب المحكمة بالتراجع عن قرارها هذا، وتطالب، في الوقت نفسه، الدولة التركية برفع قيودها وضغوطاتها عن استعمال اللغة الكردية. الساسة، وكذلك حزب العمال الكردستاني، اعتبروا هذا الموقف إهانة واحتقاراً للشعب الكردي، وإنكاراً لوجوده وهويته القومية. من جانبه، وصف عبد الله أوجلان قرار المحكمة بأنه إنكاري وجائر، واعتبر إصرار الساسة في الدفاع عن أنفسهم، باللغة الكردية، إصراراً في الدفاع عن الكرامة والوجود.

إثارة هذه القضية في مجلس النواب التركي زادّ الطين بلّة. فبدلاً من تطويق المجلس للأزمة هددّ رئيسها محمد علي شاهين برفع دعوى قضائية ضد البرلماني الكردي بنكي يلدز؛ بسبب تحدّث الأخير، متحدياً، بالكردية واصطحابه قاموساً إلى المجلس قال بأنه لتعريف الكردية لمن لا يعرفها؟. بدورها عقدت اللجنة القيادية في حزب السلام والديمقراطية، ممثل الشعب الكردي في البرلمان التركي بواحد وعشرين نائباً، اجتماعاً طارئاً تمخض عن قرار يُلزم جميع أعضاء الحزب بالدفاع عن النفس في المحاكم باللغة الكردية.

موقف المحكمة هذا من اللغة الكردية هو تجسيد للموقف الرسمي التركي من الشعب الكردي وقضيته. هذه هي ليست المرة الأولى التي يُهان فيها الكرد في تركيا. الكردية لغة غير معترف بها في تركيا، وحتى الشعب الكردي غير معترف به، فالدستور التركي لا يعترف إلا بشعب واحد هو التركي، ولغة واحدة هي التركية. سياسات الصهر والتتريك بحق الشعب الكردي لم تتوقف منذ تأسيس الجمهورية التركية، في العام 1923، على يد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك. حتى الاستماع إلى الموسيقى والأغاني الكردية كان جرماً يُعاقب عليه الكردي. صديق كردي، من تركيا، حدّثني عن رمي والده لكل ما كان بحوزتهم من أشرطة كردية في المرحاض، وذلك خوفاً من وقوعها في أيدي منفذي انقلاب 12 أيلول 1980، وما كان يشكله ذلك من خطورة على حياة الكردي، كانت تؤدي في غالب الأحيان إلى تصفيته، أو رميه ليترهل في غياهب السجون.

تتعاقب الحكومات في تركيا ولكن السياسية العامة المتّبعة بحق الشعب الكردي هي ذاتها، ولم تتغير قيد أنملة منذ تأسيس الجمهورية. إن كان السيد أردوغان صادقاً في الانفتاح على القضية الكردية عليه أن لا يكتفي بمجاملة الكرد وقادتهم بلغتهم الأم. مطلوب من أردوغان أن يضع حداً لتحريم الشعب الكردي من التحدث بلغته الأم، وأن يوقف ما يتعرض له من إبادة ثقافية. يجب الاعتراف بالكردية لغة رسمية في دستور الدولة التركية، فاللغة الكردية هي هوية الشعب الكردي، ولن يحدث أي حلّ للقضية الكردية بمعزل عن الاعتراف بها.

[email protected]