تردد في الأونة الأخيرة في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية عن التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الحادي عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية، الذي كان موعده في تموز/يوليو الماضي، وهنالك تكهنات بأنه سوف يعقد في بداية العام القادم. حزب البعث قائد للدولة والمجتمع منذ عام 1963، انقلاب آذار/مارس، مرورا بدستور عام 12/3/1973 الذي أقر باستفتاء في ذلك التاريخ، وثبت دستوريا في المادة الثامنة للبعث أن يقود الدولة والمجتمع، ما يميز هذا الدستور أنه جاء على مقاسين متداخلين ومنفصلين بالآن معا في كثير من القضايا، وهما مقاس حزب البعث في تأكيد شرعيته الثورية دستوريا وآحاديته لحكم الدولة والمجتمع، وعلى مقاس الرئيس الراحل حافظ الأسد، متداخلان لأن موقع الرئاسة فيه حصريا للبعث، ومنفصلان حيث لمنصب الرئيس صلاحيات تشريعية لا يستطيع حتى البعث إلغاءها، تقر عبر مجلس الشعب أو بدونه. أكثر من خمسين عاما (1958) من 'لا قانون الطوارئ' وتعديلاته 1968 مع خمسين عاما لم يعرف فيها الشعب السوري معنى الانتخاب التنافسي، أو يلمس ولو من الباب الشكلي حدا أدنى من تداول السلطات. ثلاثة تداخلت لتشكل تاريخ سورية بوصفه تاريخ هذه السلطة بالذات، وهي: المادة الثامنة من دستورنا، ولاقانون الطوارئ، وعملية الاستفتاء على منصب السيد الرئيس بنعم أم بلا بوصفه مرشحا وحيدا. هذا من الوجهة القانونية الدستورية النظرية والعملية في بعض المناحي. هذه السلطة هي رب البيت السوري منذ أربعة عقود، فكيف سيكون هذا البيت؟ على ماذا ربت أجيالها؟ ماذا علمتهم؟ كيف بنت علاقاتها داخل المجتمع السوري؟ وأية نتائج تحققت حتى على صعيد أحد أهم شعاراتها وهو' الوحدة الوطنية'؟ وكذا التحرير أو السلام؟ رب البيت لا يقاس بالزمن وبعدد السنين، رغم أهمية هذا القياس، ولكنه يقاس بنتائج تربيته وأعماله، التي اعتمدت على أن الحالة السورية كلها طارئة لرب بيت طارئ، أليس قانون الطوارئ ناموسها وحالة الحرب والأعداء الداخليين والخارجيين مشكاتها؟ قانون الطوارئ هو حالة قانونية معترف بها في كل دول العالم، وعندما تقر، تقر بناء على سياقات السلطة السياسية، هي من تمنح طابعها الممارسة العملية لهذا القانون، في سورية، تحول هذا القانون إلى لا قانون، لأن ممارسته عمليا من قبل الأجهزة يتم من دون التقيد حتى ببنوده، ولهذا أسميته' لاقانون الطوارئ' ويصبح الخطير ليس القانون بحد ذاته، بل ممارسته العملية وخرقه. ما نعانيه في سورية ليس نتاج قانون الطوارئ، بل هو نتاج وضعية السلطة السياسية وأجهزتها التي تنتج خرقا لهذا القانون، خرقا مستمرا وشاملا بالقوة، عبر التعامل معه وكأن المجتمع في حالة حرب دائمة مع هذه السلطة، وما تتيحه حالة الحرب بكل المعاني. في عهد الرئيس بشار الأسد انفرجت أسارير السلطة قليلا، وهذا خلق حالة يمكننا تسميتها 'بحالة الرهان على الإصلاح السياسي' وخلال سنوات بات لهذه الحالة أجهزتها ومؤسساتها ومثقفوها وشقت المعارضة الديمقراطية، بين مراهن وبين فاقد لهذا الرهان، خاصة بعد اعتقالات ربيع دمشق. أعتقد ان هذه الحالة ستستمر إلى أجل غير مسمى وعبر إعطائها جرعات من الخطابات والإجراءات الشكلية في المستوى السياسي، وربما غير الشكلية في مستويات أخرى. مع ذلك ورغم هذا الانقسام في الرهان أم عدمه، المعارضة السورية كلها، لازالت تحمل في داخل خطابها تمنيات أن يقوم البعث بقيادة السيد الرئيس بإصلاح سياسي جذري آمن ومتدرج، هذا ما تقوله كل بيانات المعارضة السورية وأدبياتها، أو ما يمكن للمرء تلمسه بين السطور حتى لدى من لهم خطاب متشدد من المعارضة. رغم قناعتي العميقة بأن حالة 'الرهان على الإصلاح السياسي' تحولت إلى جاهزية ايديولوجية بكل معنى الكلمة، تماما كجاهزية 'حالة اللاحرب واللاسلم على جبهة الجولان السوري المحتل' أي'إصلاح ولا إصلاح' تتحرك المسألة وفق المعطيات اليومية للسلطة السياسية، من دون مشروع واضح، وربما ضمن مشروع أكثر وضوحا، هو بقاء سورية حالة ارتجالية ضبابية ممسكة القوة بتلابيبها، إلا أن اليأس لم يسيطر بالمطلق على مساحة الأمل، وهذه قضية ربما من باب التمنيات التي تدغدغ مشاعر أي سوري، أن تقوم السلطة السياسية ببادرة جدية لدخول سورية العصر. وبمناسبة الحديث عن انعقاد مؤتمر البعث القادم، لنتخيل برنامجا إصلاحيا يقر في هذا المؤتمر، بخطوات تبدأ بمشروع إلغاء المادة الثامنة من الدستور، ومشروع قانون للأحزاب، وطرح مشروع قانون جديد يطبق بعد عدة سنوات مثلا، بجعل منصب الرئيس خاضعا للانتخابات التنافسية وتوضيح مؤهلات المتنافسين، ملغيا عملية الاستفتاء، وإلغاء قانون الطوارئ بما فيه محكمة أمن الدولة العليا. وانا متأكد أن السيد الرئيس بشار الأسد سينجح لدورتين قادمتين في أي انتخابات تنافسية، ويسجل باسمه تحول سورية إلى دولة طبيعية مثلها مثل بقية الدول المتحضرة. أليس من حقنا أن يكون مثل هذا الخبر عن سورية مثل الأردن، الذي أعلن نتائج انتخاباته النيابية في 11.11.2010 يقول الخبر'وبلغت نسبة المشاركة العامة في التصويت 53' وهي نسبة شبيهة بنسبة المشاركة في الانتخابات السابقة'. وقال رئيس الوزراء سمير الرفاعي في مؤتمر صحافي بعيد اغلاق صناديق الاقتراع ردا على سؤال حول مدى تأثير مقاطعة الاسلاميين على الانتخابات، 'واضح من الارقام ومقارنة بارقام السنوات السابقة أنه لم يكن هناك أثر'. وشكك حزب جبهة العمل الاسلامي الاربعاء في صحة نسبة الاقتراع المعلنة وقال انها 'لا يمكن ان تكون حقيقية'. انتهى الخبر.. نريد ولو من باب التخيل أن نشكك بنزاهة انتخابات برلمانية سورية لا أن نقول انها 'انتخابات' 90' من مقاعدها معروفة قبل بدء الحملة الانتخابية ومعينة من قبل السلطة بكل فروعها وأجهزتها، جبهة وطنية تقدمية حاكمة، أو فروع استخبارات. ليلاحظ المراقب والمهتم، ماذا يجري الآن في مصر تحضيرا للانتخابات البرلمانية هناك، المجتمع المصري السياسي والمدني يغلي، بكل ما من شأنه أن يشير إلى تقدم الحالة الديمقراطية هناك، ألا يحق للشعب السوري الدخول في ممارسة هذا الحق؟ هل من حقنا أن نتخيل والتخيل يحمل أمنية بالطبع، فإذا كان مؤتمر البعث القادم لن يحمل هذه القضايا ويطرحها للنقاش العام ويقر بعضا منها، فسيكون مثله مثل المؤتمرات السابقة، مهمته فقط:
التصفيق للوضع الراهن في سورية، التصفيق للفقر وللبطالة وللفساد وللتمييز بين المواطنين على كل المستويات، ثم رسم خطة للسنوات الخمس القادمة تتمحور حول سؤال 'كيف يمكن للبعث أن يبقى غطاء لكل هذا الارتجال' نظام مستنفر ومجتمع يتلقى؟
فهل نأمل؟
- آخر تحديث :
التعليقات