الافراح التي نفتش عنها دوما في زوايا بغداد يصعب العثور عليها، وربما التعرف على تفاصيل بغداد... شوارعا... ازقتها... درابينها... ناسها المتعبين... يدخلنا في حزن اخر اكبر.. واكثر سعة، ولانني احب بغداد رحت افتش عنها في قلقي وذاكرتي، سرت بالقرب من ابي نؤاس... شارع الرشيد... الشورجة... باب المعظم... فلم اعثر عليها... كانت خرابا.. ودمارا مذهلا، لم استطع الاستمرار في محبتها...
وظلت بغداد الى جانبي تسير.... وهي تبكي...

بقيت افتش عنها الى ان وصلت الى الباب الشرقي... وعند دخولي واجهت جدارية جواد سليم (نصب الحرية )ساعتذاك عرفت ان بغداد ما تزال بعافية جيدة، وانها ما تزال تقدم انموذجها الثقافي والفني عن طريق هذا العمل العملاق....
كل هذا الخراب الروحي والمادي الذي شهدته بغداد ابان النظام السابقة والنظام الديمقراطي الحالي، وهي ما تزال واقفة على قدميها وجبينها ذاك الطفل الذي الذي يختبىء تحت عباءة امه...

نصب الحرية....
زهرة بغداد وبريقها.... وهو عمل سيظل شاخصا رغم التحولات السياسية... بين انظمة ديكتاتورية وديمقراطية...
لم تنتبه الى هذا العمل ndash;مع الاسف- الحركات السياسية الحالية التي تسعى الى تطبيق الديمقراطية واشك في يوم ما بأنها ستحتفل بهذا العمل الجميل.
عندما دخل الامريكان بغداد في 9 /4 جعلوا من ساحة الفردوس مسرحا لسقوط الديكتاتور، بحيث بقيت هذه الساحة علامة رمزية لسقوط الانظمة الديكتاتورية، وهم بذلك يؤسسون لمواقع اخرى بديلة، في السابق كانت الامكنة التي تدل على الانقلاب والتظاهرات غير هذا المكان...
شارع الرشيد... شارع الجمهوري... عقد النصارى...

شوارع كان المتظاهرون والمتأمرون ينطلقون منها لتغيير المشهد... ولكن الامريكان اليوم... غيروا المشهد وساحات التظاهرات بحسب مقاساتهم...
لم يبق لشارع الرشيد اي اعتبار... ولا للجمهوري...

حتى التظاهرات ما عادت تنطلق من ساحات وطنية، من اماكن صنعت في اميركا.
بوصلة سماع اصوات المتظاهرين-اليوم- ساحة الفردوس...

لطالما تمنيت ان تنطلق التظاهرات من تحت نصب الحرية، وسندرك ساعتذاك ان العراقيين صانعو ساحات جديدة للتظاهرات والاعتراضات...
التظاهرة الوحيدة بعد السقوط التي انطلقت من تحت نصب الحرية، ما قام به الادباء والفنانون عندما طالبوا باستعادة ليل بغداد المفقود.....
واذكر ان صديقي الشاعر كاظم غيلان كان يركض من ساحة الاندلس باتجاه نصب الحرية في الليل من اجل ان تستعيد بغداد عافيتها...
ستعود بغداد من جديد.... وسينطلق العراقيون من تحت هذا العمل الشامخ... تحية مرة اخرى للراحل المبدع جواد سليم.