لا يفصلنا عن انتخابات مجلس الشعب المصري سوى بضعة أيام، والمعارك بين المرشحين من ناحية، وبين الشرطة ومرشحي الإخوان تجاوزت كل الخطوط وأحدثها ما جرى في الإسكندرية، وما يجري من اعتقالات في محافظات الدلتا والصعيد، لتحجيم الإخوان وعدم تكرار تجربة انتخابات ألفين وخمسة التي فازوا فيها بثمانية وثمانين مقعدا أي نحو عشرين في المائة من أصل أربعمائة واربعة وخمسين مقعدا بينهم عشرة يعينهم رئيس الجمهورية، وهذا التحجيم لا يقتصر على مصر فقط، فما يلفت الانتباه الانتكاسة التي مُني بها الإخوان في انتخابات مجلس النواب في الأردن، والسبب هو مقاطعة حزب quot;جبهة العمل الإسلاميquot; لهذه الانتخابات، بعد أن أقرت الحكومة قانون quot;الصوت الواحدquot; بمعنى أنه لا يحق للناخب أن يعطي صوته لأكثر من مرشح، وزادت عدد المقاعد المخصصة للنساء من ستة إلى اثني عشر مقعدا من إجمالي مئة وعشرين مقعدا، ما أثار غضب الإخوان وما سبق ذلك من دعوة وزير التعليم دكتورquot; إبراهيم بدرانquot; للمدرسين الملتحين حلق لحاهم، ومنع ترويس المخاطبات الرسمية بالبسملة والنتيجة انه فقد منصبه في محاولة من الحكومة لكسب ود الإسلاميين، ودفعهم إلى المشاركة، لكنهم لم يشاركوا باستثناء بضعة أفراد من الإسلاميين رفضوا قرار المقاطعة.

سبق انتخابات الأردن انتخابات جرت في مملكة البحرين لاختيار أعضاء المجلس النيابي خسرت فيها quot;جمعية المنبر الوطني الإسلاميquot; خمسة مقاعد من أصل ثمانية حصلت عليها في الانتخابات الماضية بما فيها مقعد رئيس الجمعية quot;عبد اللطيف الشيخquot; وحصلت جمعية الأصالة على أربعة مقاعد، من أصل أربعين مقعدا، الإخوان في مصر مرشحون أيضا لخسارة ثمانية وثمانين مقعدا حصلوا عليها في انتخابات 2005، ولا يبقى في الساحة العربية سوى حركة حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وحدث بعد ذلك الانقلاب على فتح، وخسر مرشحو الإخوان في انتخابات الكويت العام الماضي ولم تحصل quot;الحركة الدستورية الإسلاميةquot; إلا على مقعدين.

الإخوان المسلمون في مصر جماعة محظورة قانونيا، لكنها حاضرة بقوة في المجتمع، والحكومة المصرية تهاجمها في العلن، وتتفاوض معها في السر، تواجه الآن معركة شرسة مع قوات الأمن أثناء حملتها الانتخابية، وأفرادها يخوضون الانتخابات كمستقلين وإذا هُزموا في هذه الانتخابات مثلما حدث لنظرائهم في الكويت والبحرين والأردن، سيكون ذلك مؤشرا على انحسار دورهم السياسي، في وقت يحتاجون فيه إلى quot;حصانةquot; تمكنهم من ممارسة أنشطتهم الاجتماعية، الوضع في المغرب العربي مختلف quot;فحركة مجتمع السلمquot; في الجزائر مثلا تحتفظ بعلاقات قوية مع حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم باعتبارها عضوا في التحالف الرئاسي منذ أكثر من عشر سنوات، وتشارك في الحكومة، بأربع حقائب وزارية ولها واحد وخمسون، نائبا في المجلس الشعبي، واحد عشر نائبا في مجلس الأمة، ويبدو أن النظام الحاكم حاول احتوائها، بعد أن استوعب الدرس عقب فوز جبهة الإنقاذ عام واحد وتسعين، وما تبعه من إلغاء العسكر نتائج الانتخابات، والجار القريب وهو المغرب يهيمن quot;حزب العدالة والتنميةquot; على البلديات وأصبح رقما صعبا في مجالس المدن الكبرى وبدأت الأحزاب الأخرى تخطب وده.

المشكلة هي أن الإخوان في مصر ليس لديهم برنامج سياسي واضح، فقط شعارات رنانة، تلعب على العاطفة الدينية المتأصلة في هذه الشعوب، فاللجنة العليا للانتخابات تحظر الشعارات الدينية، وتغض الطرف عن هذه الشعارات إذا استخدمها مرشح الحزب الوطني، وشعار الإخوان التقليدي quot;الإسلام هو الحلquot; لم يطرح حلولا للمشاكل الاقتصادية والتعليمية والصحية والبطالة والفقر والغلاء وغيرها من المشاكل المزمنة التي استعصت على الحل، ويركز الإخوان على الفساد، ولا يقدمون حلولا عن كيفية مواجهة هذا الفساد، ولا يعلنون موقفهم من قضايا الحريات وحقوق الإنسان، والمواطنة، والإصلاح السياسي والقضائي والمجتمع المدني، وكيف سيديرون سياسة مصر الخارجية الأمر الذي يجعل كلامهم خاليا من أي مضمون، والمواطن يعطيهم صوته فقط نكاية في الحزب الوطني.

تراجع التمثيل النيابي للإسلاميين في برلمانات الدول العربية، لايعني انحسار دورهم الاجتماعي، فقد تغلغل هذا التيار في كثير من المجتمعات العربية، بتقديم خدمات صحية وتعليمية واجتماعية للفقراء، وسيظل هذا الحضور قويا مادامت الحكومات عاجزة عن توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لقطاع واسع من مواطنيها، وإن كان هذا التراجع سيؤدي إلى بروز أحزاب وتيارات سياسية، تحاول ملء الفراغ بما قد يفتح الباب لإعادة تشكيل دور هذه الأحزاب، والالتحام بالشارع، وتقديم برامج لا شعارات، ربما يسهم ذلك على المدى الطويل في تعزيز المشاركة، والتحول إلى ديمقراطية حقيقية.
إعلامي مصري