قبل هجرتى بعاميين تقريبا كلفت انا وبعض زملائى فى العمل بمهمة فرز الاصوات فى احد اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة. وعند انتهاء الموعد الرسمى المحدد لغلق المكان امام المواطنين بدأنا العمل على الفوربحماس وجدية فى فرز الاصوات بدقة وعناية حتى نتجنب حدوث اخطاء من اى نوع.

استمرينا انا وزملائى فى فرز وعد الاصوات بدون توقف لعدة ساعات رغم الحر الشديد ونسبة الرطوبة العالية. وقبل منتصف الليل بقليل دخل الحجرة التى كنا متواجدين فيها ضابط شرطة برتبة كبيرة وقال متهكما بلهجة حادة عنيفة:
متخلصونا بقى يافنديا.. خلصونا بقى من فضلكم..اللى ها ينجحوا معروفين مقدما فبلاش تضيعوا وقتكم ووقتنا وكفاية كده
!

كنا على وشك الانتهاء من فرز بقية الاصوات فلم نكترث بامر ضابط الشرطة وتوجيهاته لنا وكلماتة الصادمة واستمريت انا وزملائى حتى فرز اخر صوت لاننا كنا وقتها متصورين ان ما كنا نقوم به هو مهمة وطنية خالصة لابد من انجازها على اكمل وجه بامانة وصدق وليس مسرحية هزيلة سخيفة لاظهار النظام الديكتاتورى غير الديمقراطى بعكس حقيقته امام العالم.. لقد كنا وقتها شبابا صغيرا رومانسيا بريئا يصدق كلمات الاغانى الوطنية والخطب والشعارات البراقة التى كانت تترد فى خطب حكامه.

كانت هذه تجربتى الوحيدة مع الانتخابات المصرية جعلتنى فيما بعد اتشكك فى جدوى ومصداقية جميع نتائج الانتخابات فى مصر سواء على مستوى انتخابات الرئاسة او مجلس الشعب او المجالس المحلية.

واليوم وبعد اكثر من 35 عاما على هذة الواقعة نرى نفس الشىء لا يزال يتكرر ببلاهة فى مصر فنجد الانتخابات المصرية تجرى بطريقة هزلية سخيفة لمجرد الضحك على العالم واظهار مصر وقيادتها كما لو انها بحق دولة ديمقراطية يختار مواطنييها حكامها ونوابها بكامل ارادتهم وحريتهم.. نجد النظام ينجح من يريد ويبعد من لا يريد كما لو ان مصر بكل من فيها وعليها مجرد ملك خاص للحاكم واسرته.

لقد سألنى مرة صحفى من دولة عربية شقيقة قائلا: كيف لا يشعر حاكمكم فى مصر بالخجل من نفسه عندما يلتقى بحكام العالم وهو يعرف تماما ان نتائج الانتخابات فى بلده بما فيها انتخابه هو شخصيا تفتقد الى المصداقية والشفافية والامانة؟

لم اجد ما ارد به على هذا الصحفى سوى نصحه بتوجيه سؤاله الى الرئيس مبارك شخصيا حيث انه الوحيد الذى يمكنه الاجابة.

اما عن الانتخابات فى استراليا فالحق يقال انها تتم فى شفافية عالية وبدون تدخل من الحزب الحاكم او اى مسؤل كبير او صغير.. لم نسمع عن حادثة تزوير واحدة او غش من اى نوع.

الصوت الواحد قد يسقط او ينجح مرشح ما..وفى بعض الاحيان حفنة قليلة من الاصوات قد يكونوا كافيين لاسقاط الحكومة والحاكم ايضا.
يوم الانتخابات فى استراليا لا نرى المدرعات والمصفحات ورجال البوليس والامن يملؤن الشوارع ويحاصرون مراكز الانتخابات بمدافعهم وقنابلهم المسيلة للدموع وانما نجد المرشحين انفسهم بلا حراس ينزلون الى الشوارع يقنعون الناس ببرامجهم الانتخابية ويتوسلون اليهم من اجل الحصول على اصواتهم.
يوم الانتخابات هنا فى استراليا ترى الديمقراطية الحقيقية والرقى والتحضر والقبول بقرار وحكم الشعب فى اخر المطاف.. لااعتراض او مظاهرات او احتجاجات اذا اسقط صوتى او صوت غيرى المرشح فلان او كان السبب فى فوز علان.

حقا اننى اتمنى من كل قلبى ان ارى قريبا هذا اليوم الذى تتم فيه الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى مصر على الطريقة الاسترالية المتحضرة الراقية لكى يختار الشعب المصرى بكامل ارادته من يريدونه بدون تدخل او وصاية من الحاكم او الحكومة او اى جهة من الجهات فى الداخل او الخارج..

استراليا
[email protected]