وأخيرا شاهدت مسلسل ما ملكت أيمانكم بعد سماعي للعديد من الآراء السلبية والقليل من الإيجابية حول المسلسل الذي ومن حقه ان يهز عروش الرجال في المنطقه العربية وإن كنت آمل وأتمنى أن يهز قلوبهم.. أبدعت كاتبة السيناريو هاله دياب في طرح قضايا المرأة في أسلوب رائع بيّن ولأول مرة الهدف المفروض والمطلوب من الإعلام بشتى وسائله..الصدق أقول بأنني ولأول مرة أشاهد طرحا صادقا حقيقيا يعكس الخوف على مجتمع يقف على حافة الإنهيار من الداخل.. ولكنه يركن إلى وضعه خوفا من نفسه..ومن الدين والثقافة ومن المجتمع حوله مخولا رجل السلطة بإستباحة ماله وعرضه.. وهو ما بينه المسلسل في الحلقه الأخيره حين ينجح رجل المال والنفوذ في الوصول إلى مراكز القرار..بالرغم من أن مثله يجب أن يكون في مزبلة وليس في قمة مراكز السلطه..

نجحت هاله دياب في مقابلتها مع ال بي بي سي في تثوير شريحة كبيره من المجتمع ضدها.. وغفل معظم المعلقين بأن الخوف على مستقبل هذا المجتمع هو ما دفع الكاتبه إلى إعلان هذا التحدي في صرخة عارمة تتردد أصدائها بأصوات نساء في كل بقعة في العالم العربي تردد قصص إنتهاكات مختلفة للنساء في حياة مليئة بالعنف الذي يرفض الإعتراف بالرحمة لشريحة كبيرة من المجتمع.. فهل ستنجح هاله دياب في تثوير المجتمع من الداخل لإعطاء الأولويه لقضايا المرأة بإعتبارها قضايا البنية التحتية للتطور الإنساني للمجتمع العربي.. هل ستنجح في كسر حاجز الصمت التقليدي للأخذ بيد المجتمع العربي إلى التغيير..

في هذه المقاله سأتناول قصة واحده من الفتيات في المسلسل أعتقد أنها تمثل شريحه كبيرة في المجتمع العربي اليوم.. وإن لم تحظ هذه الشريحه بحكمة ووضع أبيها شيخ وإمام الجامع.. وأتمنى أن لا يرزقوا بمثل أخيها الشيخ توفيق؟؟ وأتساءل أيضا كم هناك من زوج مثل زوجها محمود؟؟ وهو الصورة المشرقه الوحيدة في المسلسل؟؟؟
سأتناول قصة ليلى التي ولا بد وأن كل إمرأة عربية عاشت جزءا من حياتها بشكل أو بآخر.. والتي هزتني لدرجة أنني أكتشفت انني مهما كتبت في قضايا حقوق الإنسان الأخرى فإن قضايا حقوق المرأه تبقى الشاغل الرئيسي في عقلي ووجداني الذي يرى في قضايا المرأة حجر الأساس لأي تغيير مجتمعي وأنسنة المجتمع العربي..وتغيير الصورة القاتمة السواد التي تخرج من كل شرائح المجتمع والتي أبرزتها الكاتبة بشجاعة نادرة وقدره على أن تجعل من المرأة المشاهده ترى جزءا من قصتها ونفسها ما بين السطور..
ولكني سأبدأ من نقطة خارجه عن المسلسل وأعتقد بأهميتها لأنها حجر الزاوية في قضايا المرأة..

.. أن قصر فقه النساء على قضايا المرأة التقليدية المحدده بالتعدد والحجاب والخروج إلى العمل والتي كلها مجتمعة تؤثر في حياة المرأة.. وعدم تطرقه إلى المرأه كإنسانة تحمل مشاعر أنثوية تماما مثلها مثل الرجل الإنسان..أدى إلى جعلها مادة محددة في حديث الرجال كجسد مهيأ فقط لأن يكون مادة للإستمتاع والإستثمار في عملية إنجاب قد لا يكون لها رأي فيها.. ولم يعطها أي مساحة من الحرية في النظر لرغبتها ولجسدها بحيث أنكرت المرأة ذاتها حقها هذا!

وأضافت كتب التراث إلى ذلك بأن حصرت الحديث عن جسم المرأة في التغييرات البيولوجية فقط..و ضرورة تحجيم رغبات هذا الجسد حتى يكون جسدا مسخّرا لإرضاء الطلبات الجنسية للرجل الزوج وتهميش حاجتها إلى الإشباع الجنسي.. فالملائكة تلعنها هي فقط في حال رفضت المعاشره.. وإعتبار إرضاء الزوج في كل متطلباته الجنسيه واجبا بدون اية حقوق مقابله لكي يبعد عنها العقاب ولعنة الملائكة ويقربها من الجنه؟؟ وظلت علاقة المرأه بجسدها محتشمة ومحرجة لها أيضا كما رأينا في تعذيب ليلى لنفسها وتجريح جسدها حين إحساسها بالرغبة نظرا لخوفها من إرتباط هذا الجسد بالجنسانية المحرمه عليها.. والمباحه للرجل الذي لا تلزمه الأعراف بالعفة أو الأخلاق حين يستبيح جسد بنت الجيران.. أو صديقته أو حتى الخادمة في بيته.. وهو ما رأيناه واضحا في تصرف أخيها توفيق مع من حلل لنفسه إغتصابهن والتخلي عن مسؤوليته المتشاركه في علاقته الجنسيه معهما.. بل إنه وصل إلى أقصى درجات الإنحطاط الأخلاقي حين برر قتل عشيقتة الحامل منه بينما هو يمثل رجل الدين التقي بين أقرانه الذين إستطاع بدهائه وبلوي أعناق الآيات أن يصبح منبعا للحقيقة ومصدرا للصدق نجح في دفعهم للدخول في معركة جهاد خاسرة تقتل الأخ قبل العدو..

ليلى التي لم تخطأ ولم تزن.. حتى بعد أن أثبت الكشف الطبي عذريتها،، وقعت تحت تأثير إثم لم ترتكبه.. وخدّرتها كلمات الداعية الأنثى بأنها ستحمل وزرها لتورثه لأبنائها ولن يخلصها من هذا الذنب سوى رضوخها لإقامة الحد الشرعي الذي قام بتطبيقه أخوها متلذذا بتعذيبها وتأثيمها بينما كان غارقا حتى أذنيه بالإثم والزنا.. والتهرب من أية مسئولية أخلاقيه تجاه من أوهمها بالحب..

في رأيي فإن المسلسل نجح في إختراق الحاجز الذي بناه فقهاء الدين في دعوتهم إلى حجب جسد المرأه وتغطيته بالكامل على إعتبار انه عورة.. حين خلعت ليلى هذا الحجاب وأكدت أن تدينها في إيمانها وليس في مظهرها..وبّين بطريقة لا شك فيها أثر التربية في الأمراض النفسية التي تواجهنا حتى بعد النضوج وملازمتها كشبح يسد منافذ الحرية والحياة الطبيعية حتى بعد أن خرجت ليلى من مجتمع الأسوار لمجتمع الحرية..

ترى كم من مسلسل آخر يحتاجه العالم العربي للخروج طواعية من مفاهيم ثقافية دينية مسلّطة على رقبة المرأة ويبقى تأثيرها السلبي يسيطر على الروح والعقل بحيث لا تؤدي إلا إلى عجز العقل وشلل المجتمع وإعاقته.. إن التزمّت الكبير الذي شهدته المنطقه العربية لم يؤدي إلا إلى إرتداد إلى الوراء و تخلف هذه المجتمعات وزيادة عمليات التحرش الجنسي..

وبرغم أن التحرر من السيطرة الذكورية المتسلطة على المرأة لا يمكن ان تحدث بدون مساعدة الرجل نفسه.. ولكنها أيضا لا يمكن أن تتم بطواعية الرجل.. ولا بد من امرين أساسيين لهذا التحرر..

الأول تثوير النصوص.. والخروج من المرجعيات الذهنية الثابته وإستنباط حلول جديده تتناسب مع العصر مهتدية في ذلك ببعض النصوص الإيجابية المضيئه التي تعكس روح الدين.. وهو إحترامه لإنسانية المرأة.لأن إختزال شخصية المرأة وإبعادها كشريكة فاعلة في المجتمع أدى إلى ضعف البنية الإجتماعية العربية مقارنة مع غيرها من المجتمعات المتقدمة علميا.. وإنسانيا...

ثانيا.. تخلّص المرأة ذاتها من حالة الإرتهان المادي الكامل للأب.. والأخ.. والزوج.. والعشيرة...
وإلى اللقاء مع قصة فتاة أخرى من المسلسل.. ما ملكت أيمانكم..

- باحثة وناشطة في حقوق الإنسان