منذ معاهدة أوسلو والفلسطينيون يتفاوضون مع الإسرائيليين دون أن تحقق المفاوضات نتيجة برغم كثرة انعقاد المؤتمرات واللقآت التي يشارك فيها من حين لآخر رؤساء أمريكيون وعرب، وكل مؤتمر او لقاء نقول: سيتمكن المتفاوضون من إيجاد حل للقضية الفلسطينية التي نتغنى بها منذ عقود طويلة ونتنازل عن جزء من المطالب مع مرور الزمن. وكنا نعتقد أن المفاوضات منذ معاهدة أوسلو تعمل على إيجاد الترتيبات اللازمة لتوزيع الحدود بين دولتين فلسطينية وإسرائيلية ولم نكن نعتقد على الإطلاق أن المفاوضات طوال هذه السنين ليست تناقش شيئا ذا أهمية ولم يكن لها هدف سوى التلاعب بالوقت كلما استجدت أزمة في الشرق الأوسط لحقن الناس بإبر تخدير تجعل العرب في فترات معينة من مراحل الصراع يطمئنون على حل القضية الفلسطينية عبر استخدام السياسيين العرب وعلى رأسهم السياسيون الفلسطينيون للتفاوض من اجل التفاوض الذي لايؤدي إلى حل بقدر ما يمطمط الزمن حتى يتم الانتهاء من حرب جديدة على ارض العرب. والغريب أن أولئك السياسيين العرب والفلسطينيين يمثلون أمام شعوبهم في كل مفاوضات ومؤتمرات وكأن حل قضية فلسطين على وشك الانتهاء ولم يتبق سوى القليل من الترتيبات واللمسات الأخيرة حتى نرى علم فلسطين يرفرف على بقايا فلسطين الني تنقص مساحة أرضها مع مرور الزمن واستمرار المفاوضات التخديرية!

وكلما انتهت مسرحية تم التخطيط لها على المسرح العربي، يتم تغيير الحكومة الإسرائيلية وانتخاب حكومة أخرى ترفض كل المفاوضات حول المفاوضات القديمة ليتم اختراع فكرة تفاوضية جديدة كخريطة الطريق ويتزامن ذلك أحيانا مع زوال حكومة أمريكية جمهورية او ديمقراطية، ليبدأ التفاوض حول التفاوض من الصفر ببرودة وعدم اهتمام إلى أن يستجد في السماء العربية قضية أخرى تهم المصالح الغربية ليتم بناء مسرح جديد تقام عليه مسرحية تفاوضية فلسطينية إسرائيلية يوحي شكلها بالجدية والخطب الرنانة التي يشارك فيها بعض الزعماء العرب وقد عقدوا حواجبهم وبحت أصواتهم بما يوحي بالحزن والجدية والتصميم على إرجاع فلسطين من شاطئ غزة إلى حدود الضفة الغربية.

لكن اللوم هنا ليس على الغرب ولا على العرب وإنما يقع على الفلسطينيين أنفسهم كونهم أصحاب القضية وأهل الأرض، ولأنهم من أعطى الفرصة للآخرين كي يستهينوا بقضيتهم ويتمادوا في محاصرة شعبهم وتجزئة أرضهم وإطالة العذاب والاحتلال والفقر والمعاناة.

الفلسطيني: لم يملك ذكاء المصري في استرجاع أرضه بدون حرب بعد أن عجز عن استرجاعها بالقوة، ولا ذكاء السوري في عدم استرجاع أرضه المحتلة وعدم الدخول في الحرب، ولا بسالة اللبناني في استرجاع أرضه بالمقاومة والنضال والتضحية دون شروط، كأرقى أنواع النضال والتضحية لشعب صغير لكنه كبير بنضاله وإيمان مقاومته بالصمود والتحدي حتى استرجاع الأرض دون الرجوع إلى مؤتمرات فنادق الخمسة نجوم التي يحضرها ويشارك فيها سياسيون عرب لا هم لهم سوى التبختر في صالات الفنادق والارتزاز أمام عدسات التلفزيونات بغرض الاستعراض والتفلسف عن التفاوض من اجل التفاوض.

أن ما يحدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين من مفاوضات وبمباركة بعض السياسيين العرب الآخرين: يعتبر عار وفضيحة وخيانة للقضية وللشعب الفلسطيني المحاصر في أرضه تحت زخات الرصاص والقنابل التي تمطره من حين لآخر كأقسى أنواع الاستذلال والاستهتار بقيم الانسان وكرامته وحقوقه.

ولاندري على أي شيء يتفاوضون كل هذه السنين الطويلة؟! لو كانوا حقا يتفاوضون بجدية وصدق وأمانة لأنهوا مفاوضاتهم في عام واحد أما بصلح يفضي إلى حل نهائي للقضية او إلى حرب ومقاومة تؤدي إلى استرجاع الأرض مثلما فعل اللبناني او إلى إبادة الشعب الفلسطيني وذلك من وجهة نظري أفضل ألف مرة من احتلال مذل ومفاوضات لا هدف لها سوى تخدير العقول وإطالة سنين الاحتلال حتى تنتهي كل المسرحيات على الأرض العربية المتخلفة. ولم لايقتدي الفلسطينيون بأهل الأخدود في نجران الذين وصفهم الله بالشهداء المؤمنين عندما اختاروا الاستشهاد حرقا على أن يسلموا أمرهم لغاز يريد سلبهم حريتهم؟!

إن ما يمارسه السياسي الفلسطيني في مفاوضات التفاوض لعبة غير أخلاقية وعليه مصارحة شعبه الذي يئن تحت وطأة الاحتلال كي يعرف الحقيقة، وليعرض المفاوض الفلسطيني ملف التفاوض أمام الشعب الفلسطيني ليقول لهم ما تم الاتفاق والاختلاف عليه مع الإسرائيليين وليسأل الشعب الفلسطيني عن مدى قبولهم او رفضهم لما تم التفاوض عليه، ثم الطلب منهم أن يختاروا القبول او الرفض، السلام على ما تم انتزاعه بالمفاوضات او الحرب، بعدها يتم إنهاء التفاوض من اجل التفاوض وقد اتخذ الشعب الفلسطيني قراره بنفسه وهو ما سوف يقرر النتيجة الحقيقية التي حتما سترجع الحقوق المسلوبة إلى أهلها وستفرض السلام القوي بعيدا عن المماطلة والدوران حول طاولة كل ما يطرح عليها لاعلاقة له بالسلام وإنما مجرد محادثات يتقاسم فيها المتفاوضون الابتسامات الكاذبة ويدور فيها النقاش كل مرة عن صيغة جديدة لكيفية التفاوض في المرات القادمة!
بل انه من المخزي والمضحك والمبكي: أن تتحول المفاوضات حول وقف الاستيطان كدليل على عدم جدية المفاوض الإسرائيلي واستهتاره بمن يتفاوض معه، أما لأن المفاوض الفلسطيني لايريد إنهاء القضية وقد استهوته حكاية الفنادق الفخمة متنقلا بين عواصم العالم او أن هناك سرا نحتاج إلى تسريبات ويكيليكس كي تفضحه!

ما يحدث من مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين مهزلة من مهازل العقل السياسي العربي، ومن حق الآخر سواء كان إسرائيليا او غربيا أن يستغل تلك المهزلة ليحقق أهدافه ويحمي مصالحه ويشغل هذا العربي المشغول أصلا بهمومه الكثيرة الداخلية كيلا يتطور. لكن المسئول الأول والأخير عن كل المهازل العربية منذ مهازل السبعة والستين مرورا بأم المهازل وحتى هذا الوقت الذي يتفاوض الفلسطيني مع الإسرائيلي حول مسألة التفاوض هو: هذا الانسان العربي الغارق في جهله وتخلفه وخرافته.

لم تعد القضية الفلسطينية هي ما يجب التفاوض حوله والنضال من اجله وإنما أصبحت مسألة التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي هي قضية العرب الأولى التي يجب أن تقام المؤتمرات بسببها في فنادق الخمسة نجوم الواقعة على شواطئ شرم الشيخ ووسط العواصم العالمية التي تمنحك دفء المكان ورفاهية المسكن وضياع الأرض والمستقبل!


سالم اليامي [email protected]