منذ نشوء الأنظمة السياسية الحديثة والدستور يعد احد ركائز هذه الأنظمة لكونه يضم المبادئ التي تحدد شكل الدولة ومضمون نظامها السياسي وعلى الرغم من وجود أنظمة بلا دستور إلا أن هذه الأنظمة لا تخلوا من وجود لوائح لها صفة الدستور تشكل جزءا من تكوينها السياسي كما هو الحال مع اللوائح البريطانية كلائحة الحقوق أو ملتمس الحقوق وغيرها.

ويصاغ الدستور في الغالب وفق معطيات الواقع الاجتماعي والسياسي لكل بلد لكي يكون متناسبا مع الحاجات والضرورات ويؤمن انسيابية الحياة وسيرها الطبيعي إلا أن هذا لا يعني تجاهل التطورات والتحسينات التي تشهدها الدساتير الأخرى لان التغيير الدستوري لا ينطلق من ضرورات محلية وحسب بل ومن الهامات خارجية أيضا حتى يستوفي المعايير العالمية.

وعلى الرغم من وجود اتفاق عالمي على أهمية الدستور وضرورة أن يتماشى مع المعايير العالمية إلا أن الكثير من الدول لم تلتزم بذلك حيث نجد تفاوتا كبيرا بين الدساتير يصح أن نجعل من بعضها متطورا وبعضها الآخر دونها في التطور.

ولأهمية الدستور ودوره المحوري فقد عد انتهاكه جريمة من الجرائم الكبرى إلا أن هذا الأمر لا يصح إلا في الدول الديمقراطية فالكثير من الأنظمة وبالذات الأنظمة الاستبدادية لا تجد غضاضة في انتهاك الدستور كلما وجدت ذلك ضروريا الأمر الذي جعل الدستور في تلك الدول أشبه بالديكور أي شيئا صوريا لا أكثر.
وبالتالي هناك ضرورة لوضع لائحة عالمية تشكل أفقا قانونيا لكل الدول وان يصاغ دستور عالمي معياري يمثل الخطوط العريضة أو المحددات لأي دستور من الدساتير الخاصة بالدول بحيث تعد الدول غير الملتزمة به خارجة عن الإجماع الدولي أو معايير الأمم المتحدة.

ولان المخالفات لا تقتصر على الصياغة الدستورية وحسب بل تتعداها إلى التطبيق أيضا فان هناك ضرورة لإنشاء محكمة دستورية عالمية مهمتها النظر بالمخالفات والانتهاكات الدستورية التي تحصل عادة في كثير من الدول فيكون لها دور في الحد من هذه المخالفات والانتهاكات بما يؤمن توجيه الجهود نحو إرساء عالم خالي من الانتهاكات.
فهل إلى ذلك من سبيل؟ هذا ما يجب أن نسعى إليه ونعمل عليه بكل طاقتنا...