ضبابية الواقع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي بين القبول بالمقترحات الأمريكية مقابل تجميد البناء في المستعمرات لمدة 90 يوم، وبين مواصلة تدمير فرص السلام.. وبين انقسام الشارع السياسي بين انتهاز الفرصة للحصول علي تأييد سياسي ساري المفعول من ناحية ودعم عسكري غير مسبوق من ناحية ثانية، ورفضها حتى لا يغضب المستعمرون الذين يقيمون فوق ارض ليست لهم في الضفة وشمال القطاع.. لم تمنع حكومة نتنياهو من الاستعداد بكل ما لديها من أسلحة عنصرية لعرض صيغة قانون المواطنة الجديدة علي الكنيست للبرهنة علي انه لا يوجد ما يشغلها عن مراعاة حقوق مواطنيها quot; الذين انتخبوها لأجل العمل لمصلحتهم quot; كما قال المتحدث باسم مجلس وزرائها رغم ما تدل عليه الخطوة من تعنت وتطرف وعدوانية، وافقت الحكومة الإسرائيلية يوم 10 أكتوبر الماضي بأغلبية 73 % علي إعادة quot; تفصيل quot; قانون المواطنة لكي يأتي متوائما مع توجهاتها العدوانية المستحدثة ضد حقوق الإنسان الفلسطيني علي كافة المستويات..
لا يعني ذلك أنها قبل اليوم لم تكن ساحقة لحقوق الإنسان، لكننا نقصد ما تُعد له quot; الآن quot; من ترتيبات استعدادا لمرحلة قادمة سيكون عنوانها quot; اليهودي الإسرائيلي وبعده الطوفان quot;..
تعديل المادة رقم 5 من البند، ج من قانون المواطنة، يلزم كل من يكتسب الجنسية الإسرائيلية أن يقسم علي التوراة أنه يعترف بيهودية الدولة كوطن قومي لليهود دون غيرهم، ويتعهد بالولاء لها والالتزام بقوانينها quot; بصفتها تلك quot;..
هل المجتمع الإسرائيلي في حاجة لهذا التعديل؟؟..
نعم..
فبعد أن وافق الكنيست في شهر ابريل عام 1952 علي قانون quot; حق اليهود في العودة إلي وطنهم القومي quot; أقر قانون quot; الجنسية التلقائية quot; التي يحصل عليها اليهودي فور قدومه إلي إسرائيل.. لأنها وكما قال ديفيد بن جوريون ndash; في حينه - دولة لجميع اليهود أينما وجدوا، ولأن كلاهما ( حق العودة وحق تلقائية التجنس بجنسيتها ) يمثل ميراثاً مستحقاً لكل يهودي لمجرد أنه يهودي.. وشدد مؤكدا quot; إسرائيل لم تنشأ هذه الحقوق، إنها أعلنتها فقط quot;..
اليوم، لا تكتفي إسرائيل المحتلة الغاصبة بهذا الحق الذي تدعي انه سابق علي وجودها، ولكنها تعمل علي تحقيق أمرين في غاية الخطورة..
الأول.. حرمان الفلسطينيين الذين طردوا و أجبروا علي مغادرة وطنهم تحت سلاح المحتل ndash; تقول التقارير الدولية أن عددهم عام 48 كان حوالي 760 ألف نسمة ndash; من العودة وفق قرارات الشرعية الدولية التي نجحت سياساتها المضللة في التعتيم عليها لسنوات طويلة..
الثاني.. تضع موضع التنفيذ مخطط الخلاص من الأقلية العربية ( حوالي 1ر3 مليون نسمة ) التي تعيش بين جنبات مجتمعها بالطرد خارج البلاد وفق سلسلة من القوانين التي يمثل التعديل الذي نحن بصدده واحداً منها..
اتفقت النخب اليهودية التي شاركت في مؤتمر هرتسليا عام 2000 التي ناقشت العقبات الكبرى التي يمكن أن تعاني منها إسرائيل في المستقبل القريب علي أن quot; الخطر السكاني quot; هو أفدح ما يمكن أن تتعرض له الدولة العبرية، لذلك جاء من بين وصاياهم للحكومة أن تعمل علي استصدار القوانين التي تساهم في طرد وترحيل الأقلية العربية خارج البلاد quot; عن طريق تركها طواعية أو بحكم محكمة نافذ quot;..
الأمر الذي يعني العمل علي سن مجموعة من القوانين التي تجعل حياتهم علي كافة المستويات مستحيلة، ومن ثم لا يجدون أمامهم إلا الهجرة الطوعية خارج البلاد.. إلي أين؟؟ هذا ليس يهم، المهم الخلاص منهم..

منذ ذلك العام بدأ تنفيذ ما اتفق علي تسميته quot; أسرلة إسرائيل quot; كما أطلق عليها عالم الاجتماع بجامعة حيفا سامي سموحة.. فأُوقف العمل بقانون لم لشمل الأسرة الواحدة.. وصدر قانون الحرمان من تجديد بطاقات الإقامة خصوصاً للمقدسيين.. وصدر قرار يُخضع العرب المقيمين في القدس الشرقية لتحديد النسل، وإلا طردوا إلي خارجها.. وقرار تخوين ومحاكمة quot; القيادي quot; الفلسطيني الذي يزور قطر عربي في حالة حرب مع إسرائيل.. وقرار بحرمان النواب العرب من امتيازاتهم بالكنيست إذا عارضوا توجهات المجلس النيابي على الملأ.. وقانون الطرد لكل من لا يقبل بسياسات إسرائيل.. الخ..

التعديل الذي الحق بقانون المواطنة، اقترحه وزير الخارجية افيجدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا (من أول أهدافه التخلص من عرب إسرائيل ) في منتصف العام الماضي، ولكن نتيناهو رفضه في حينه لأنه كان يخطط للتوافق مع الإدارة الأمريكية حول الترتيب لجولة جديدة من المفاوضات المباشرة.. وفي مواجهة تمسك الجانب الفلسطيني بضرورة إعلان حكومة إسرائيل لوقف البناء في المستعمرات كشرط لمواصلة التفاوض المباشر معها، تبني نتياهو المشروع كعقاب رادع للشعب الفلسطيني وعرضه بنفسه للمناقشة علي مستوي مجلس الوزراء المصغر ( 7 وزراء ) ثم للتصويت علي مستوى أعضاء المجلس كلهم ( 30 وزيرا )..

حاول كثيرون تأجيل النظر في التعديل المقترح بحجة أن الوقت غير مناسب بسبب عزلة إسرائيل الدولية.. روبي رفلين رئيس الكنيست رأي فيه برهان عن عدم ثقة دولة إسرائيل في نفسها !! وبعض الوزراء رأوا أنه سيزيد من حجم العداء بين الدولة والعرب من مواطنيها.. ووصفه وزير الدفاع بأنه بوابة جهنم التي ستهبط بمكانة إسرائيل بين دول العالم عدة درجات.. لكن نتنياهو رفض..

حتى محاولات التخفيف من تأثيراته سيئة السمعة.. كأن يشار مثلا إلي أنه يرتكز علي وثيقة الاستقلال، أو أن النية متجهه لفرضه علي كل من يطلب الجنسية وليس علي غير اليهود فقط !! لم يُلتفت إليها..

وهكذا سار رئيس وزراء إسرائيل في طريق العنصرية غير مبالي بأي شئ..
حملة الاعتراضات والاحتجاجات داخل إسرائيل التي رأت في التعديل مقدمة لمزيد القرارات أيدت التظاهرة الرمزية التي جمعت شمل رجال الفكر والقانون والأدباء والفنانين ونشطاء حقوق الإنسان لكي يعبروا عن امتعاضهم ورفضهم للتعديل من فوق نفس المكان الذي أعلن منه ديفيد بن جوريون قيام دولة إسرائيل عام 1948، باعتباره أداة عنصرية حادة قادرة من تلقاء نفسها علي شطب إسرائيل من بين الدول التي تراعي حقوق الإنسان..

هذا بينما وصفت صحيفة الجارديان البريطانية التعديل بأنه quot; مصمم للتمييز العنصري ضد الفلسطينيين في الداخل quot; وقالت أن القَسم يتطلب quot; الولاء للأيديولوجية وليست للدولة quot; وهذا يمثل من وجهة نظرها quot; تقهقر إلي عصور الظلام السياسية وتراجع ملحوظ في ديموقراطية إسرائيل وتدني في مستوي في مجال تطبيقات حقوق الإنسان علي كل سكانها quot;.. ودللت علي ذلك بأن في جعبة الحكومة الحالية سلسلة من القرارات العنصرية.. قَسم الولاء للفنانين والمصورين.. محاكمة من يعتدي علي شخصية الدولة.. محاكمة من يحتفل بيوم النكبة ( 15 مايو / يوم إعلان قيام دولة إسرائيل ).. تجريم من يدخل مستوطنة / مستعمرة بالقوة أو بدون تصريح من الحاكم العسكري..

تزامناً مع هذه التوقعات قدم خمسة من أعضاء الكنيست مشروع قانون لحرمان الفلسطيني من تولي وظيفة المرشد السياحي داخل مدنية القدس !! إلا إذ كان يحمل الجنسية..
أما المحلل السياسي عاموس كرميل فكتب في صحيفة يديعون يوم 13 أكتوبر quot; هذه الخطوة هي الدليل الوحيد علي تمتع نتيناهو بثقة الإتلاف الذي يحمي حكومته من السقوط في الهاوية أما عنصرية التعديل فتدلنا علي نقص مستوى الفهم لدي غالبية الوزراء وتضع يدنا علي خطر يهدد الدولة، هو أكثر من الفاشية بكثير quot;..

إسرائيل بعد أكثر من ستون عاماً من ميلادها غير الطبيعي.. لازالت في حيرة من أمر من هو اليهودي؟؟ ولا زالت تسعي لإقرار مزيد من القوانين التي تدعي أنها في حاجة ماسة إليها لكي تحافظ علي هويتها غير المحددة هذه.. لهذا يتساءل الكاتب السياسي أوري هايتنز عما إذا كانت صيغة قانون المواطنة المعدلة التي ستعرض علي اكنيست قريباً ستغير من ضبابية هوية الدولة التي لم يستقر الرأي حيالها بعد..

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]