لم يعد ممكنا ولا مقبولا، اي جدال حول حقيقة انسداد افق بناء المغربي العربي الكبير على المستوى السياسي. ذلك ان المعطيات الاساسية لتوجهات دوله وخاصة منها توجهات واستراتيجيات دولتيه الرئيسيتين المغرب والجزائر لا تسمح بالتفاؤل في انجاز نوعي على هذا الصعيد، رغم كل الاتفاقات الثنائية والجماعية التي تم توقيعها بين سائر بلدانه خلال العقود الماضية. بل ورغم ما يتم التوصل اليه من توافقات حول بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك من حين لآخر.


اذ من الواضح ان التعارض الكبير بل والتناقض الجوهري بين السلوك السياسي الاستراتيجي للرباط والجزائر يجعل من سابع مستحيلات الوقت الراهن تسجيل اي تقدم يذكر في عملية البناء خاصة ان استراتيجية الجزائر تربط بين الممكن في منطقة المغرب العربي وبين تحقيق استراتيجية اقامة دولة قزمية في جنوب المغرب في مقابل استراتيجية الرباط التي ترى ان مسألة استكمال الوحدة الترابية للمملكة تعتبر قضية حياة او موت وبالتالي فإنها ترى في كل مشروع يمس بجوهر سيادتها الوطنية خطرا داهما لا ينبغي التساهل في مواجهته مهما كان الثمن. غير ان هذا لا يعني انه لا مجال لتحقيق بعض الخطوات التي قد تلطف من اجواء التوتر والصراع الذي يخيم على افق العلاقات بين مكونات المغرب الكبير باعتبارها شرطا اساسيا لاي تفكير مستقبلي هادىء قد يفتح المجال امام انجازات ذات اهمية اكبر في الاتجاه الصحيح. ولعل الشرط الاساسي والاولي الذي ينبغي توفره هو الارادة السياسية الواضحة بالعمل على تجاوز عوامل الفرقة والتوتر الذي يجعل المغرب والجزائر على طرفي نقيض. فهل تتوفر هذه الارادة السياسة لدى الطرفين الاساسيين وما هي العوائف التي تحول دون توفرها؟


لست من الذين يعتقدون ان الخلاف المغربي الجزائري حول مسألة الصحراء حيث اتخذت الجزائر على الدوام موقفا استراتيجيا مناوئا للمغرب في مختلف مساعيه السياسية والديبلوماسية لتثبيث واقع استرجاع اقاليمه الجنوبية خلاف سياسي ذو طابع عرضي يمكن تجاوزه بسهولة بل اعتبر انه خلاف استراتيجي لن يجد حلا حقيقيا الا باجراء الجزائر لتقييم استراتيجي جديد مخالف نوعيا لموقفها الراهن او في حالة تراجع المغرب عن موقفه المبدئي من استكمال وحدته الترابية. وإذا كان من المنطقي حتى عدم التكهن بامكان المغرب اسقاط هذا المبدأ تحت اي ذريعة او ضغط سياسي او عسكري كان، فإنه من المنطقي ايضا استبعاد اي تراجع للنظام الجزائري عن موقفه المناهض لاستكمال المغرب لتحرير مختلف اقاليمه. غير انه من الممكن تصور حالة خاصة تسمح بحدوث الانعطاف الجوهري الراديكالي في هذا الاتجاه وهي مشروطة بحدوث تحول نوعي على مستوى طبيعة النظام الحاكم في الجزائر وعلى مستوى الاستراتيجيات الاقليمية والدولية التي قد يتبناها في المستقبل تجاه المنطقة عموما وتجاه المغرب بوجه خاص، الامر الذي قد يسمح بالتخلي عن استراتيجية النظام الحالية تجاه المغرب وتجاه مسالة بناء المغرب الكبير والدور الذي ينبغي ان تلعبه الجزائر في هذا البناء وهو دور حيوي متى سلمت النوايا واستقامت التوجهات.


الا ان هناك ملفات كان يمكن تحقيق تقدم بشأنها وعلى رأسها الملفات التي تسمح باعادة الحياة الطبيعية الى العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر مثل اعادة فتح الحدود بينهما لضمان حرية التنقل وتنشيط علاقات التبادل التجاري خاصة في المجالات التي تحقق التكامل بين البلدين الأمر الذي سيسمح بوضع اسس اقتصادية واجتماعية والانطلاق من المصالح المشتركة للشعبين في النظر الى المستقبل بدلا من سياسة احكام الانغلاق المقرون بتصعيد التوتر ومراكمة شروط الاحتقان كما تمت معاينة ذلك من طريقة تعامل النظام الجزائري مع المسألة الوطنية للمغرب ومن الاحداث الاخيرة التي تصرف خلالها باعتباره المعني الاول بها حتى قبل جبهة البوليساريو الانفصالية التي يتم تقديمها باعتبارها الضحية وهي التي تمارس دور الجلاد بالنسبة لابناء الشعب المغربي المحتجزين في تندوف.


بل اكثر من ذلك فهناك مؤشرات كثيرة تفيد بوجود رغبة حقيقية لدى النظام الجزائري في هدر ممكن هذه العلاقات على مختلف المستويات ومنها:
اولا، التضحية بالممكن المقرونة بالتلويح بالمستحيل وزعم التفاني في تحقيقه وهو السلوك الذي يؤدي حتما الى الطريق المسدود المحفوف بمخاطر الانفجار في اي لحظة على اعتبار ان تراكمات التوتر والصراع قد تخلق واقعا جديدا تماما يفقد فيه مختلف اطراف الصراع زمام المبادرة.

ثانيا، اعتماد نوع من سياسة حافة الهاوية لكن من قبل طرف ثالث هو جبهة البوليساريو التي ما فتئت تهدد باستئناف العنف والعمل العسكري ضد المغرب. والحال، انه لا قبل لها بمواجهة المغرب من دون دعم عسكري ومادي مباشر من طرف الجزائر التي منحت الجبهة القواعد الخلفية في تندوف. ومن شأن ممارسة المغرب لحق المتابعة ان يؤدي الى اصطدام مباشر مع الجزائر. واذا كان العاهل المغربي الراحل قد هدد بممارسة هذا الحق دون ان ينفذه فهذا الموقف ليس متاحا الى الابد لانه لا يمكن القبول باستمرار وضع تمارس فيه الجزائر حربا مفتوحة ضد المغرب لابتزازه في ارضه وحدوده وابعاده عن مواصلة مسيرته التنموية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وعلى هذا الاساس فإن طرح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي للاقاليم الجنوبية يعتبر فرصة نوعية على مستوى اعتماد الممكن وعدم هدره في سبيل تحقيق مستحيل الانفصال. ذلك ان هذه المبادرة متى انتهت الى مبتغاها تخرج اطراف النزاع من منطق الغالب من جهة والمغلوب من جهة اخرى حيث يكون المغرب الكبير هو الرابح وهو الذي تعلن الجزائر كما يعلن المغرب حرصهما على بنائه لفائدة دوله وابنائه.
افلا يكفي هذا دافعا للقطع مع سياسة هدر الممكن؟ انه سؤال برسم النظام الجزائري؟