الباحثون الذين أتيح لهم دراسة التجربة السياسية الكردستانية في العراق، والساسة الذين شاركوا في الحكم، أجمعوا على أن أقليم كردستان يعاني أزمة نظام وهذا ما أشار اليه نائب رئيس برلمان اقليم كردستان الدكتور أرسلان باييز مؤخرا وحاول الكثيرون أمثال النائب المستقيل القاضي رزكار أمين الرئيس السابق للمحكمة الجنائية العليا التي تولت محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين. والخبير القانوني الدكتور منذر الفضل وضع أو تصنيف جامع مانع للنظام الكردستاني فلم يوفقوا،ولهذا أضطروا الى الأستعانة ببعض النظريات الحديثة التي تعني بمعالجة المجتمعات المتشابكة والمعقدة.

ومن هذه النظريات نظرية معروفة تقوم على توازن القوى التي تعني قانونيا وجود مراكز قوى متعددة ومتوازنة. وهذا النظام يمكن العثور عليه في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة. وبالأستناد عليه يمكننا شرح خصائص النظام الكردستاني، وفهم البنية التي يقوم عليها المجتمع السياسي الكردستاني، ومعرفة الأساليب المستخدمة للأبقاء على التوازن السائد فيه.
ففي هذا النظام لا نعثر على فرد ولا على مجتمع لأن الجماعات (أي الاحزاب في كردستان) وحدها هي التي تتحرك وتغطي الساحة. ولهذا يبقى الفرد أو المواطن خارج المسرح السياسي، ويغيب المجتمع الوطني المتلاحم لأن كل حزب في منطقة يعتبر نفسه مجتمعا قائما بذاته لا تربطه بالمجتمعات المتجاورة الا روابط واهية تفرضها فكرة الأستمرار في التعايش وصون المصالح الخاصة المتقلبة.

وبنتيجة هذا الوضع تتحول الحياة السياسية الى علميات ضغط وتجاذب وتكاذب ونفاق تمارسها الجماعات السياسية القائمة على الولاءات المناطقية والعشائرية لتحقيق بعض المكاسب، ولو أدى ذلك في بعض الأحيان الى دخول في معارك دامية ( راجعوا ملف الاقتتال الداخلي) ويتحول الفرد الى أداة لخدمة مارب جماعته، فتغيب مواقفه السياسية وتتلاشى شخصيته. وتتحول الدولة الى الة تعمل لحساب زعماء الجماعات السياسية، أو الى مزرعة يتقاسم خيراتها ويصبح الزعماء المناطقيون المرجع الوحيد لكل طالب خدمة أو وظيفة.

هذا النوع من النظام السياسي يساعدنا على فهم النظام الكردستاني الذي يعتمد على صيغة مبدأ تقوم على توازن قوى دقيق بين قوى مختلفة ومراكز قرارات متباعدة. وجميع هذه القوى والمراكز مكرهة بشكل عام، خشية أن يختل التوازن، على اتباع أسلوب التفاهم المتقطع الذي يتخلله أحيانا ميل الى المناورة أو الخصومة الحادة التي قد تنتهي بأستخدام القوة المسلحة.

ومن خصائص هذا التوازن أنه لايسمح لجماعة سياسية من الجماعات التي يتكون من المجتمع بفرض نفسها على غيرها بصورة دائمة، ولعل السبب يكمن في أنها لاتملك (او لايسمح لها بأن تملك) من القوة ما يؤهلها للأستيلاء على السلطة. ولهذا يبقى الاتفاق أو التوافق المشوب بالرياء الصيغة الحتمية لتامين التعايش، لا العيش، بين هذه الجماعات المتنافرة.

وفي غمرة الحرص على تأمين التوازن تتلاشى فكرة الوطن، وتتبخر فكرة الدولة وتضيع المصلحة العامة ويتحول البلد الى ميدان سباق للمصالح الخاصة يديره ويسيره زعماء الجماعات السياسية فينظمون حفلاته و يتقاسمون ريعها ويتركون للناس حرية التفرج والتصفيق، وأحيانا حرية الصراخ للتعبير عن فرحة عابرة او نقمة طارئة.
أما النواب الذين أكدوا حرصهم على النظام القانوني و السياسي السليم و رفعهوا مقترحاتهم الى رئاسة برلمان كردستان وأكدوا على ضرورة عدم تجاوز القوانين العراقية في مداخلاتهم أمثال النائب والرئيس السابق للمحكمة الخاصة القاضي رزكارأمين التي حاكمت الرئيس العراقي السابق صدام حسين وغيرهم من النواب الذين حاولوا أن يعبروا عن نفسهم وعن رأيهم فيما يحصل، فلقد مارس زعماء الجماعات السياسية كل أساليب الضغط والأذلال حتى كاد يلغيهم تماما.. ويوما بعد يوم تزايدت وسائل التأديب شراسة من عدم أحترام النواب من قبل رئيس برلمان كردستان كمال كركوكي الى فرض نوع من الرقابة على الصحافة الأهلية والتضييق على الحريات العامة، فالى تهميش مؤسسة رئاسة مجلس الوزراء برئاسة برهم صالح، باعتبار الوجه الابرز للحضور السياسي لكردستان بكل ما تمثله وترمز اليه

ومن المفيد ان نشير هنا الى اقليم كردستان منذ عام 2009 ومع تولي نائب الوزراء العراقي السابق برهم صالح رئاسة الحكومة يسعى لأصلاح العديد من ألاعطال التي اصابت نظامه. وللأكثار من المؤسسات والمنظمات والجمعيات المدنية التي لاتقوم على أساس حزبي، وللتخفيف من وطأة التعصب الحزبي والمناطقي في نطاق العمل الحكومي، ولكن الأحداث الاخيرة جاءت لتلغي بعض هذه المكاسب وتؤجج العصبية الحزبية وترفع من الخارجين على القانون والضمير والمتاجرين بالارواح والمتامرين على مصير شعب امن ومسالم.

[email protected]