واهم.. من يظن أن أمريكا يعنيها صورتها لدي العالم وبالذات لدي العواصم العربية، التي قيل أنها اهتزت بسبب ما جاء علي طرف قلم دبلوماسييها فوق صفحات ألاف التقارير والبرقيات - التي لا زالت تنتشر بين أرجاء العالم بلا توقف أو رقيب ndash; من آراء وتصريحات ووجهات نظر قيلت في العلن أو وراء جدران جول قضايا محلية أو إقليمية أو ما شابه..

واهم.. من كان يظن أن مثل هذه التقارير غير موجودة، وان ما يقوله المسئول الوطني أو الأجنبي للدبلوماسي الأمريكي سيفهم علي علاته وفي إطاره الصحيح دون أن يجري فيه الإضافة أو الحذف اللازمين ndash; وفق رؤيته للمسألة - ويخضعه للتحليل والتفسير والاستشهاد ويضع تحته الخطوط والملاحظات ويقارنه بغيره من أقوال المعارضة أو المناوئين للحكم أو ما تنشره الصحف ووسائل الإعلام المحلية..

واهم.. من كان يظن أن اهتمامات السفارات الأمريكية حول العالم تنطلق فقط من أرضية العلاقات الثنائية بينها وبين عاصمة البلد الذي تتواجد فيه.. وعليه منذ الآن فصاعداً أن يؤمن أن مثل هذه الاهتمامات تنصرف إلي كل شئ يقع ويحدث لهذا النظام الحاكم أو ذاك مهما كان غير ذي موضوع من وجهة نظره هو..

واهم.. من أدان قيام كبريات وسائل الإعلام العالمية المقروءة بنشر الوثائق.. ووصفها بأنها تستسهل ملأ صفحاتها بما لم تتحقق من مصداقيته.. ونعي مصداقيتها وحزن لتحولها في رأيه إلي صحف تسريبات لا تمحص ولا تجري المقابلات وتضع الحقائق بجوار بعضها لخدمة القارئ.. وعاب عليها أن تتحول إلي بوق ينقل بلا حرج ما يوافيها به موقع فضائي دون أن تتحري الحقيقة وتفتش عن الشفافية.. لأن أرقام توزيع هذه الصحف في تصاعد يومي منذ صباح 28 نوفمبر الماضي وبعضها اصدر أكثر من طبعة في اليوم الواحد..

من اليوم لا تصدقوا أن ممثلي السفارات الأمريكية في كل مكان لا يتدخلون في أدق وأعمق مكونات المجتمع المحلي الذي يتواجدون بين شرائحه..

من اليوم كونوا علي يقين أنهم يفتشون عن كل شاردة وواردة.. ويرسمون صور لكل ما يهم واشنطن وما لا يهمها !! وإلا فيقل لي أحدكم كيف تصدر أجهزتها التي تراقب أحوال العالم عند بًعد، تقاريرها السنوية حول الفساد ومؤشر تفعيل الديموقراطية وحرية التعبير وحرية التدين وحجم التسلح ومؤشر البطالة ونسبة الطلاق بين المتزوجين ومدي تفشي مرض الإيدز وربما موقع المجتمع علي خريطة الشذوذ والتحرش الجنسي..

من اليوم لا تصدقوا أنهم لا يتدخلون في شئون في شئون البلاد الداخلية.. انسوا تماما أنهم علي استعداد لوصف ما يقومون به من دس لإنفوهم في كل صغيرة وكبيرة انه بعيد عن هذا الوصف.. وأنهم حريصون كل الحرص علي الابتعاد عن كل ما يعكر صفو الوفاق الوطني والاستقرار المجتمعي، لأن مثل هذه الإدعاءات ثبت عدم مصداقيتها بالدليل الموثق الصادر من بعثاتهم الدبلوماسية في أنحاء متفرقة من العالم..

عدم مصداقية نشرت بلا زيادة أو نقصان أو تزييف..
لا يشغلني كثيرا ما إذا كان التسريب الذي قام بهم موقع ويكيليكس الفضائي مؤامرة !!..
ولا يشغلني درة الفعل العربية أو الشرق أوسطية أو غيرها..
ولا يشغلني أن ما نشر حتى الآن لم يتضمن وثائق حول إسرائيل..
يستوي أن يري البعض ما نشر من زوايا مختلفة تتراوح بين النفي والسخرية والاندهاش والجدل والحيرة.. ويستوي وصفه بأنه فضائحي أو تسونامي أو مربك ومخجل أو جريمة شنعاء أو مخطط شيطاني أو تشهير بالدبلوماسية الأمريكية.. ويستوي أن يقدم جوليان أسانج المتحدث الرسمي باسم الموقع للمحاكمة بتهمة الاغتصاب أو بجريمة إفشاء أسرار الدولة العليا.. ويستوي أن يدان أو يبرأ أو أن يسجن داخل الولايات المتحدة أو خارجها..

المؤكد لدي ان الولايات المتحدة لن تتأثر من قريب أو من بعيد بما نشر.. لأن ما جاء علي لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون مما وصف بأنه quot; اعتذار للأصدقاء والحلفاء quot;.. وما قيل انه تنبيه أن ما quot; جاء ذكره في التقارير لا يمثل وجهة نظر الإدارة quot;، لا يخرج عن كونه كلام مرسل لا تحكمه مبادئ أو بيانات يعتد بها..

وما جاء علي لسان وليام بيرنز مساعده هيلاري خلال مؤتمره الصحفي في سانتياجو يوم 10 الجاري أن إعادة بناء الثقة بين واشنطن والعالم quot; ليس سهلاً quot;، لا يلزم الإدارة الامريكية بشئ مادي يمكن أن تحاسب عليه.. حتى قوله quot; أننا سوف نطمئن شركاءنا بشأن الإجراءات التي ستتخذها الأجهزة المختصة لضمان مزيد من السرية في المستقبل quot; لا يلغي إصرارها علي إتباع نفس الأسلوب في كتابة التقارير والبرقيات وما تحتويه وثائقها من معلومات وتوقعات واستنتاجات بعضها مؤسس علي وقائع وبعضها الآخر ليس كذلك..

ستبقي أسس الدبلوماسية الأمريكية كما هي.. وستبقي اهتماماتها بالمجتمع المحلي مفتوحة 360 درجة علي مدار الساعة.. وسيعمل القائمون عليها علي عقد لقاءات مع كافة أقطاب المجتمع الذي يعيشون فيه.. وسيتواجدون في كل مكان وسيشاركون في كل مناسبة ذات وزن.. لكي يقدموا الرؤية التي تمثل من ناحية الوقود الذي يُشغل آلة الفعل السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني ضمن تروس الإدارة، ويوفر من ناحية أخري للكونجرس القاعدة المعلوماتية التي تمكنه من إصدار تقاريره وقوانينه التي تدين بها واشنطن هذا الطرف وتتهم ثاني وتطعن في ذمة ثالث وتفضح سلوكيات رابع وتهدد بتقويض نظام حكم خامس.. الخ..

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]