الحياة أكبر منا جميعا، وتفاصيلها أغنى من أن يستوعبها عقل منا، لسبب سهل ممتنع وهو الحياة ذاتها. نحن لا نقبل بهذه المسلمة، نعتقد دوما أننا قابضون على المعنى والمبنى، على العيش والأخلاق، إن لم تكن النماذج الذهنية التي نبنيها عن العالم وعن ذواتنا تحمل هذه الوظيفة وبكل هذا التضليل، ما نفع هذه النماذج إذا؟
المفارقة الآن: أن هذا الذي يدور من سجالات ذات عنف لفظي وتشهيري، ليس لكونها بين حلفاء سياسيين، بل لكونها بين حلفاء ولازالوا حلفاء سياسيين!
اليساري أخلاقي والمختلف بلا أخلاق، و مرذول طبقيا وفكريا وأخلاقيا. والوجهة حسب نموذجنا الفردي عن ذاواتنا نحركه كما يشاء هذا النموذج لكي يبقى سيد تفكيرنا، ولكي يحمينا من شعلة الحقيقة، بما هي شعلة إفلاسنا السياسي، الأخلاق يسارية فقط! فالليبرالي إذا عمل وفق منطقه ورؤيته للحياة فهو بلا أخلاق، والإسلامي أيضا والقومي بشقيه العربي والكردي، وفي تبادل للمواقع عندنا في سورية أمر فيه كثير من الغرابة، لكنه طبيعي جدا، عندما تتنافس تيارات فشلت هي في تحقيق أي إنجاز مجتمعي، ستجد ملاذها في تصعيد اللفظة الأخلاقية. لأنها لا تملك غيرها تسويقا، ويتحول الجميع ضد الجميع إلى سدنة لهيكل الإخلاق، وأية أخلاق؟! وهو لا يستطيع تحمل نقد صغير أو خسارة موقع!
أصدقائي ليس وعظا، لكنه حزن وفرح بالآن معا، حزن لهذه اللغة التي نواجه بها بعضنا، وفرح لكوننا بتنا نعبر عن أنفسنا أكثر، بكل ما تحمله هذه الأنفس من قيم ومعايير وثقافة وملفوظات ومخزون من كل هذا وغيره، وكأننا أمام عنف دفين! من جهتي لم أشعر بالندم مطلقا من علاقتي مع أي معارض سوري في الداخل أو في الخارج حتى من اختلفت او اتفقت معهم وحتى من قاطعني، بدء بفريد الغادري مرورا بالصديق بشار سبيعي الذي عاد لسورية وكل إعلان دمشق وجبهة الخلاص بكل شخوصها وأحزابها والحركة الكردية.
سبق ووضحت رأيي في موت الجبهة تنظيميا وسياسيا، كما وضحت رأيي في أزمة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية، فلست قاضيا لأحاكم البشر لا على ماضيهم ولا على حاضرهم، ما يعنيني بالبشر مواقفهم السياسية في إطار العمل الديمقراطي العام وخدمته كما أراه من وجهة نظري، ودوما أترك لنفسي قدر الإمكان فرصة أن تكون وجهة النظر هذه غير صحيحة، أما معايير أخرى لا تعنيني إلا في اختيار أصدقائي الشخصيين، بعيدا عن المعيار السياسي... لأن العلاقات الشخصية والتقييم الأخلاقي للأفراد هي خارج آليات الأطر التحالفية والسياسية، الناس لا تلتقي سياسيا، لأنهم أصدقاء شخصيين، أو لأن هنالك جهة تنتقيهم بمعيار أخلاقي نموذجي حزبي! ومن هي هذه الجهة القادرة على ذلك، أشيروا لنا عليها كي نقتفي آثار انتقاءها!؟
أجبرنا على العودة للحديث عن مؤتمر إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في المهجر، لسبب بسيط جدا أنه يهمنا جميعا، ولا أحد يستطيع من كل الذين تواجدوا في أروقة الاجتماع أن يتنصل من المسؤولية، عما نتج عنه. ما نتج عن الاجتماع هو نتاج للمشاركين فيه ولازالت هذه النتائج تتوالى، هذه قضية لا بد لنا من الاعتراف بها، وفيما بعد نبدأ معزوفتنا المعتادة، في رمي من نعتقده رابحا، بكل الأوصاف والنعوت.
هنالك ملف أثرته في مقالتي الأولى عن اللقاء، يتعلق بحركة العدالة والبناء، ولم يلتفت له الناقدون اللاحقون، كان جل همهم الدكتور عبد الرزاق عيد! وشتم الحركة، والملف سأوضحه مرة أخرى وليعذرني الأصدقاء في حركة العدالة والبناء:
قلت أن هنالك جهد تنظيمي للحركة وراء عقد هذا اللقاء، وهذه لا تعني بأي حال من الأحوال أنني أتحدث عن موافقة سياسية لكل ما قامت به الحركة عموما، وداخل أروقة اللقاء خصوصا. الحركة مذ تأسست مع مجموعة من الشباب كان لها أثر إيجابي كما رأيته، لسبب بسيط أنها كلها عناصر شابة وأسماء غير معروفة في تاريخ المعارضة السورية، والآن لاحظت أن الحركة قد تقلص نشاطها التنظيمي ولم تنتج أسماء جديدة من جيل الشباب، لا بل تركها أسماء كانت معها منذ التأسيس!
هذه الحركة بدأ اللغط يثار حولها بعد أن أنشأت قناة تلفزيونية أسمتها بردى، وأثير اللغط حول مصادر التمويل، وهذا منذ أكثر من عام ونصف تقريبا، ولا أحد، لا أحد في اللقاء لم يسمع بهذا اللغط عن مصادر التمويل، لا أحد لا في الداخل ولا في الخارج. وطالبت الأمانة العامة المنتخبة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في المهجر أن تجيب عن سؤال تمويل المؤتمر، مباشرة لهم كأشخاص، وعبر مقالي الأول عن المؤتمر.
عندما ذهبت للمؤتمر كنت أعرف أن هنالك جهات تمول هذا المشروع، وهي جهات عبارة عن منظمات أمريكية وأوروبية غير حكومية، من أهدافها أنها تريد تعميم تجربة أحزاب وحركات العدالة والتنمية في العالم الإسلامي وعلى النموذج التركي، في سورية باتت البناء بدل التنمية، وتريد دعم الديمقراطية كما تراها هي لا كما يراها أيا منا. ذهبت وأنا أعرف والقضية ليست سرا أبدا، وهذه الجهات لها نظرتها لمجمل الوضع السوري، قد لا تتفق مع رؤية بعض فصائل المعارضة، وليس مطلوبا من هذه الفصائل التعاطي معها، هذه الجهات لا تفكر بأي حال من الأحوال كما نفكر نحن، ربما تكون معطياتي عن هذه الجهات أو عن التمويل كلها خاطئة، وهذه الجهات لدعمها بعد استثماري يتعلق بجدوى دعم هذه الجهة السياسية أم تلك. لهذا الجميع يعرف، كل من أتى إلى المؤتمر يعرف، وكل من لم يأتي يعرف، أن حركة العدالة هي التي تمول المؤتمر هذه نقطة أولى.
والنقطة الثانية: يجب البدء باقتراحات وتفعيل عمل الأمانة العامة واللجان المنبثقة عنها، يجب وضع الخطط والتنفيذ بالتواصل مع الجاليات السورية، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، والدخول في حوار مع كافة القوى التي لازالت خارج الإعلان. وتفعيل النشاط الإعلامي للإعلان في الخارج، والتواصل مع المنظمات الدولية وغيرها من أجل شرح أهداف الإعلان الديمقراطية، وعبر لجان الإعلان المتوزعة في دول العالم.
كما يجب أن تصدر حركة العدالة والبناء بيانا تجيب فيه عن أسئلة تدور في أذهان الناس، ليس من أجل المعارضة، ولا خوفا ممن شتمهم، لأننا معارضة مزمنة تعودت، بل من أجل الشعب السوري، أما الحديث عن الحركة الآن بوصفها جلد للإخوان المسلمين أو ماشابه فهذا حديث فقير، وليت الإخوان شاركوا رسميا وكنت اتمنى ذلك. الناس لا تستوعب أبدا الخلاف، المختلف ليس مخبرا ولا رخيصا هو مواطن سوري أولا ومعارض ثانيا ويجب أن يحترما معا حتى يثبت العكس، والإثبات ليس بالتحليلات والقراءات- خاصة أثناء الخلافات السياسية أو الشخصية، والتي هي طبيعية في أي عمل معارض وتحالفي، وحتى داخل أفراد الحزب الواحد- بل بالأدلة والقرائن على الأقل.
ثمة أمر أخير، المواضيع والتعلقيات التي أتت عليها والمنشورة عن اللقاء أيضا تعبر أصدق تعبير عن واقعنا المعارض، عن كل ما تحمله الحياة المجتمعية السورية من أمراض اجتماعية وفردية والنظام سيدها، شتائم واتهامات وتخرصات ونفاجات وذوات لا يحل عقدها سوى الله، ونقد قليل ونشاط أقل...
نحن ما تبقى من يسار هكذا ورثنا الهجاء والعلمانية واللاطائفية واللاعشائرية عن الشعراء السوفييت!!! وما تبقى من تيارات أخرى حجم الموروث لديها أكبر منا هجاء، لهذا لغتنا لم تصل لهم!
مع النت بتنا في بحر متلاطم الأمواج لا تغطيه سواء السماء...نكتب ونعمل في الهواء الطلق.
- آخر تحديث :
التعليقات