التصريحات الاخيرة التي أطلقها رئيس إقليم کوردستان العراق مسعود البارزاني بخصوص حق تقرير المصير للکورد، أثارتquot;کما هو معتاد و متوقع دوماquot;، موجة من الاعتراضات و الاحتجاجات، بل وأن البعض لم يکتف بمجرد رفض تلك التصريحات وانما سارع الى إدانتها و شجبها وکأن البارزاني قد نطق کفرا او تجاوز کل الحدود المألوفة، وأنا هنا لست في صدد تبرير التصريحات الآنفة او الدفاع عنها، لأنها واضحة و جلية ولاتحتاج لأي شرح او تفسير، لکنني أجد التبريرات التي طرحت من قبل السيد نيجيرفان البارزاني بخصوصها بمثابة إعتذارquot;ضمني مغلفquot;مقدم لمختلف الاطراف العراقية و الاقليمية و الدولية و سعي للفلتها وquot;بلعهاquot;وعلى مضض وتصوير الامر على أنه مجرد تصريحquot;برئquot;أسئ فهمه و إستيعابه.

رئيس الاقليم و زعيم الحزب الديمقراطي الکوردستاني، الذي ترى فيه مختلف الاطراف العراقية و الاقليمية و الدولية على أنه يقود الجناح المتشدد في الجانب الکوردي ولاسيما فيما يتعلق بالحقوق المختلفـة للأمة الکوردية، أطلق تصريحاته النارية الآنفة عشية إنعقاد المٶتمر الثالث للحزب الديمقراطي الکوردستاني و إعادة إنتخابه کرئيس للحزب للسنوات الاربع المقبلة، وان تزامن إطلاق تلك التصريحات الناريةquot;التي يبدو أن البارزاني لم يعد يطلقها کسابق عهده وبات يميل لهدوء غير معهودquot;، مع المٶتمر المذکور لحزبه، يلفت الانظار بقوة الى المخاطر و التهديدات الکبيرة التي تواجه الحزب و تعصف به بشدة بحيث أنها قد تکون ممهدة لنخر کيانه و هز بنيانه الذي طالما ترائى للعيان متماسکا و قويا، خصوصا وان إنتهاج الحزب المذکور لسياسة ناعمة تعتمد في اساسها على کم الافواه و إسکاتها بالطرق المادية قدر الامکان، قد اوصلت الحزب الى طريق مسدود ولم تدع هنالك من أي مجال متاح لإعادة النشاط الى عروقه الواهنة و أطرافه المترهلة سيما وان الفساد الذي بات محور أحاديث الناس في الاقليم قد وصل الى حدود و مستويات غير مألوفة وان العديد من الوجوه المتنفدة في الحزب(کما هو الحال في الاتحاد الوطني الکوردستاني أيضا من دون أدنى فرق)، مازالت تفرض نفسها رغم أنف کل المعترضين و المخالفين من الشارع الکوردي و أن بقاء هٶلاء بدوره يفرض ضريبة باهضة على حاضر و مستقبل الشعب الکوردي من حيث أنهم يعتبرون کالعث الذي ينخر في جوف و اساس وجود الشجرة الکوردية برمتها.

الحزب الديمقراطي الکوردستاني، الذي لاحظ بکل دقة المتاعب و الصعوبات و المشاکل و الازمات الجمة التي عانى و يعاني منها غريمه الاتحاد الوطني الکوردستاني، کان متوقعا الى حد ما أن يبادر قادة الحزب بشکل عام و زعيمه بشکل خاص لدراسة ذلك الامر و أخذه على محمل الجد و السعي لضخ الدماء الى عروق الحزب الواهنة و الشروع في حرکة إصلاحية طموحة تتيح لهم أخذ زمام المبادرة بجدارة، لکن، وللأسف البالغ. فإن الامر الذي تأکد للجميع هو أن الحزب الديمقراطي الکوردستاني قد کان سباقا في منافسة الاتحاد الوطني الکوردستاني في الفساد السياسي و الاداري و الاقتصادي و سلك نفس النهج الفاشل في معالجة الامور عندما حاول لفت الانظار الى التصريحات و الخطب الرنانة المطلقة جزافا من أجل حرف الحقيقة و تشويهها أمام الرأي العام الکوردي، وان تصريحات البارزاني لا ولم ولن تخرج أبدا عن هذا السياق، وفي الوقت الذي کانت العديد من الاوساط السياسية تترقب ثمة تغييرات او إعادة هيکلة في بنيان الحزب و بعض من سياساته، فإن المٶتمر الثالث قد خرج بقرار تنصيب نيجيرفان البارزانيquot;أبن أخ االرئيس البارزانيquot; نائبا لرئيس الحزب مما حول الحزب الى حالةquot;عائليةquot;، من المحتمل جدا أن تٶلب المزيد من المناهضين والمنتقدين للحزب، ويبدو جليا أيضا أن أساطين و دهاقنة الفساد الکوردي المزمن الذي ينخر بالاقليم، قد نجحوا أيضا في البقاء سالمين معافين في مناصبهم ولم تکن کل تلك التوقعات و التحليلات التي إنتظرت موقفا حديا و جريئا من السيد مسعود البارزاني للتصدي للفساد المستشري من خلال الوقوف بوجهquot;دهاقنتهquot;، إلا مجرد هواء في شبك، وان الکرة التي کانت في ملعب البارزاني قد أعيدت من جديد الى الشارع الشعبي الکوردي الذي قطعا لن يمر مرور الکرام على مايحدث وسوف يکون له کلام و موقف...کلام و موقف سيکون من الصعب إنهائهما بالتصريحات و الخطب و الرنانة.