لم يكن خلطا بين اتحاد أدباء العراق والخمر، بل حقيقة شائعة بين نخب quot;مثقفة quot; بحسب توصيفها لنفسها، لا تستطيع أن تحشد في نداءها الثقافي والأدبي - إذا ما نادت - أكثر من عشرين شخصا جلهم من الأصدقاء والندماء ليس غير.

في حين يجمع واعظ حسيني في خطاب غير متعال من دَهْماءُ الناس الآلاف.

وحقيقة الخلط ماثلة للعيان، والخُلَطاء ههنا بعض الأدباء لا يَتَمَيَّزُ مِلْكُ كل واحد من مِلْكِ صاحبه إِلا بجرعة الكأس.

فثمة فصيل من أدباء يكتبون نصا غير مقروء، يتداولونه مع أنفسهم والخلان فحسب، في أمسيات الخمر بين النوادي وشلة الندماء. فلا غرو ان اغلب هؤلاء غير معروفين للناس، ولا تثق بهم شِيَعٌ، لم ينجَع فيها القولُ والخِطابُ، ولم يقدموا إنجازا ثقافيا كبيرا مرموقا يشار له بالبنان إذا ما قورن الأمر ببلدان مجاورة..

وهؤلاء المتسيدون للمشهد الثقافي هم ذاتهم سادة المشهد في قادسية صدام، ولم يكن في خروج من هاجر العراق لمعارضته نظام الحكم، وشقا لعصا الطاعة، بل لضائقة اقتصادية ألمت به.
ودليل ذلك أن نفرا قليلا منهم من التحق بالمعارضة قبل العام 2003.

مشكلة أدباء العراق، ولاسيما أدباء بغداد، تتلخص في نقطتين مهمتين، أولهما اغتراب داخلي يعانون منه، بعدما وجدوا أنفسهم أمام مأزق التغيير فجلهم من أدباء القادسية، واغلبهم معاقر للخمرة مدمن عليها، وبدلا من الاقتراب من الشعب انزوى منهم من انزوى في برجه quot;الخمريquot;، ولم يستطع التماهي مع الخطاب الجديد.

والنقطة الأخرى، هي معضلة خطاب شاع فيه الضعف شيوع الصَّدْعُ في الزُّجاجة، فلم يمتلك المثقف العراقي يوما جمهورا حقيقيا مقارنة بالسياسي أو الديني، فإذا ما قرأ نصا أو أقام مسرحا، فليس بين جمهوره من أَخْلاطُ الإِنسان لا يتجاوز عدده أصابع اليد ويزيد قليلا، سوى ندماء وأصدقاء مهنة ليس غير.

بينما يخترق السياسي في خطابه جمهورا واسعا هو خليط من مستويات.

وأما الديني، فحدث ولا حرج.

فالواعظ الشيعي على سبيل المثال له جمهور مليوني يزحف نحو منبره قوم أَخْلاطُ، منهم البعيد والقريب، الصغير والكبير.

وللناس على اختلاف مستوياتها الفكرية والثقافية الخيار، وهي إن انكفأت عن سماع أو قراءة ما يكتبه أصحاب الأدب المتعالي، فليس لعلة فيهم، بل الخلل يكمن في نص لا يتعدى صداه سطور الورق.

أن في مقالي دعوة لهؤلاء للتخلص من نرجسية نص غير مقروء، وشخصية غير مؤثرة، والتماهي مع الناس، والتزام quot; جدية quot; في الحياة اليومية بدلا من فوضوية اقترنت بتصرفاتهم لاسيما ما يتعلق بمساءات الخمرة والترف والتعالي غير المبرر على الناس.

وعلى رغم أن الأمر هذا يتعلق بحرية شخصية، إلا أن الأدباء أنفسهم حولوها إلى قضية عامة في تظاهراتهم ضد اغلاق نوادي الليل، حين أقحموا الشخصي بعادات وتقاليد مجتمع يعيشون فيه، فما انفك هؤلاء في ضد مع العام، ولي في ذلك مثالان، أولهما في زمن القادسية حين انبرى هؤلاء في تمجيد الحرب عبر كتابة نصوص quot; الحاناتquot; هربا من ارتداء بدلة الكاكي، متناسين معاناة الناس وآلامهم.

والثانية بعد العام 2003 حين اثبتوا فشلهم في تسيد الموقف وكسب الجموع على رغم الانفتاح ومواتاة الفرصة. ولعلي التقط مشهدا يوميا يتكرر، فثمة قراءات شعرية أحضرها بين الفينة والأخرى لا يتعدى عدد مرتاديها الخمسة عشر شخصا.

وعلى رغم أن الأمر يتعلق أيضا بانحسار الاهتمام الجمعي بالثقافة في مختلف البلدان، إلا أن شانا آخر ينطبق على العراقيين، ليس لأنهم شعب يقرأ، ففي هذا مغالطة كبرى، بل لان أدباء ومثقفي العراق أدعياء أكثر مما ينبغي في قدرتهم على التغيير والتأثير.

قل من قرأ كتبك وكم عددهم، ومن استمع إليك وما عددهم.. أقول لك من أنت.. هذه معادلة جديدة أضعها بين أيديكم اليوم، ولكم في الوعاظ والدعاة مثالا.