لن أخوض كثيرا في حكاية محمد حسنين هيكل ومكانته الأسطورية خاصة بين القومجيين العرب الذي جعلوا من كل كلمة ينطقها هذا الرجل وكأنها كلام منزل.

قبل بضعة ايام، ظهر الأسطورة في قناة الجزيرة ليلقننا أن أمام أمريكا ndash; في أحسن الأحوال - 25 عاما للبقاء كقوة عظمى. وفي نفس السياق حدثنا ذلك العبقري بأن بارك أوباما رئيس quot;مصطنعquot; صنعته جبهة البروتستانت البيض في أمريكا WASPوالتي عجز المحلل الأسطوري في تفكيك هذه المفردة فقال بأنها تعني White..aaa.aaa.Professionals (وال aaaahellip;aaaa هي تنتيعات للأستاذ مقابل الكلمتين الأخريين لهذا المصطلح White Anglo Saxon Protestants والذي يشيرلفئة إجتماعية من البيض الأمريكيين المنحدرين من أصول إنجليزية ويعتنقون المذهب البروتستانتي والذين يتمتعون بنفوذ مالي وإجتماعي كبير داخل فسيفيساء المجتمع الأمريكي مما يجعلهم يؤثرون بشكل كبير على الحراك السياسي في أمريكا). يؤثرون لكنهم لا يقررون من ينتخب للبيت الأبيض او الكونغرس الأمريكي، كما أن تأثيرهم يتم وفق ضوابط وقوانين صارمة لا تسمح بالتزوير أو التآمر من وراء الكواليس. أوباما أنتخب من جميع أطياف المجتمع الأمريكي: السود واللاتنيين واليهود وأيضا quot;الواسبquot; وغيرهم. هيكل يتحدث عن أمريكا بعقلية الستينات ويرى الأشياء بعدسات مصرية عربية ناصرية. الشعب الأمريكي ndash; عدا المتطرفين البيض مثل مجموعة حزب الشاي ndash; استوعبوا إنتخاب رجل أسود رئيسا لأمريكا بل هم الذين أنتخبوه وبأغلبية واضحة، وأتفق الجميع على قدرات هذا الرجل العقلية من ذكاء حاد وقدرات خطابية وغيرها من متطلبات الرئاسة. لم ولن يستوعب هيكل وأمثاله النظام الأمريكي الذي يضع كل من أنتخب تحت المجهر وأولهم الرئيس في كل حركة يقوم بها، بالإضافة الى دور المعارضة هناك وهو مواجهته الرئيس وحزبه في كل تشريع جديد لا يأخذ رأيهم فيه. لذا ينتهي شهر العسل مع الرئيس أو غيره من كل من انتخب لمنصب عام في أول يوم يدخل فيه مكتبه، إلا أن الرئيس الأمريكي ndash; بحكم مركزه ndash; يجلب الأنظار ومن ثم النقد أكثر من غيره.
في برنامجه الأسبوعي، يعرض هيكل بعض الوثائق التي حصل عليها من بعض المصادر الغربية المتاحة للجميع مثل المكتبات الوطنية او الأرشيف الوطني الأمريكي او ما ماثلها، ويبني على كل ورقة يمسكها في يده قصصا وتحليلات تميل للهلوسة في كثير من الأحيان ويتحدث بقطعية حادة عن مواقف لدول وأشخاص وكأنه كان واحدا منهم. هذه النقطة بالتحديد هي مصدر شهرة هيكل، وإلا فمسألة التحليل السياسي يستطيع ان يقوم بها سائق تاكسي يواظب على قراءة الصحف، كما قال يوما المفكر الأمريكي الكبير نعوم تشومسكي.

بنى هيكل سمعته في الستينات والسبعينات على حكاية الوثائق تلك، وعلى أن لديه دوما مصادر تزوده بكل ما يثبت إستنتاجاته وإدعاءاته، مبهرا الجميع آنذاك, خاصة أنه لم يتعرض لأي نقد أو شكوك أو معارضة من أقرانه كل تلك السنوات، واستغل اللعبة الى أبعد نقطة.

لكن يبدو أن هذا الرجل العتيق لم يعي أن العالم تغير بسرعة هائلة خلال العقدين الماضيين من خلال ثورة الإتصالات خاصة قنوات التلفزيون الفضائية وبشكل أكبر الإنترنت.
هناك جيل كامل يتشكل وفق معطيات هذه الثورة ولم يعد في حاجة لأوصياء يدعون أنهم المالكين الوحيدين للحقيقة وأن على الجميع الإنصات، سواء للتحليل السياسي أو في ما يتعلق بأمور وجودية أخرى. جيل يفكر بإستقلالية أكبر وهذا ما سيقود الى تغييرات جذرية في العقود القادمة في القيم الإجتماعية وغيرها خاصة في الثقافات الجامدة مثل ثقافتنا العربية.

كما سينقرض أشباه هيكل وغيره من مدعين وتختفي ظاهرة quot;الأخ الأكبرquot; والنظام الأبوي المستبد وكل المواعظ القطعية المصاحبة، حيث سيحتل مكانهم جميعا جهازالكمبيوتر.
هاهو شخص واحد يهز أركان الدول العظمى في العالم من خلال تأسيس موقع الكتروني عمره ثلاث سنوات فقط (ويكيليكس)، لينشر من خلاله مئات الآلاف من الوثائق لم تتجرأ دولة واحدة على نفيها لأن صاحبنا هنا، جوليان أسانجي، يضعها أمام الجميع وفق قيم ثقافية تتميز بالمصداقية العالية.

كاتب سعودي
[email protected]