تنعقد الجولة الرابعة من سلسلة جولات المفاوضات غير المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو بحضور الجزائر وموريتانيا تحت اشراف كريستوفر روس المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة يومي الخميس والجمعة في ضاحية مدينة نيويورك الامريكية في اجواء سياسية من التوتر والاحتقان بين المغرب والجبهة الانفصالية المدعومة من قبل النظام الجزائري بحيث يمكن اعتبار انعقاد مثل هذه الجولة في هذه الاجواء الملبدة بسحب التصعيد السياسي والحرب الاعلامية المفتوحة على خلفية احداث العيون الدامية امرا ايجابيا في حد ذاته وإن كان من الصعب عقد آمال كثيرة على النتائج المرتقبة منها.

وفي الحقيقة، فإن تبعات تلك الاحداث في مختلف الميادين الاعلامية والسياسية الاقليمية والدولية ستظل مخيمة على المفاوضات حتى في الوقت الذي من المستبعد فيه ان تكون موضوعا مستقلا للتداول على طاولة المفاوضات في هذه الجولة.

فالبوليساريو ذاهبة الى هذه الجولة وكلها امل ان يؤتي تصعيدها السياسي والاعلامي والتخريبي ضد المغرب مكاسب سياسية باتجاه اعادة الحياة الى خطة الامم المتحدة حول استفتاء تقرير المصير التي تحاول في كل جولة نبشها من القبر علها تسعفها في الخروج من ازمة انعدام الافق لتصوراتها لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ولعل هذا ما يفسر رغبتها في التركيز على مسألة توسيع مهمة المينورسو.

غير أن انكشاف جوهر اوراق التزييف الذي مارسته بخصوص الاحداث الاخيرة على الصعيد الاعلامي والسياسي والانساني يقلل من حظوظ مخططي تلك الحملة في الحصول على أي مكاسب تذكر. ولعل قيادة البوليساريو مدركة لهذه الحقيقة عندما سارعت الى القول ان التفاوض على اساس الافكار التي طرحها كرستوفر روس لا ينبغي ان تنسي انه لا مجال للتنصل مما اسماه قرار تنظيم استفتاء تقرير المصير في اشارة الى خطة الامم المتحدة التي ثبت بالملموس عدم قابليتها للتطبيق على أرض الواقع.

ان الهدف الواضح من هذا التصريح هو شرط كل اللقاء بمدى تبنيه لاطروحات الانفصاليين الذين يعتقدون انهم قد وجدوا ضالتهم في القول ان الصحراء الغربية اقليم غير مستقل متناسين السنوات الطويلة التي استغرقتها الجهود الدولية للتوصل الى خطة الاستفتاء والجهود التي لا تقل اهمية المبذولة من اجل تطبيقها والتي ارتطمت بجدار الفشل لاستحالة التوصل الى تحديد لائحة الناخبين، حيث وضع شيوخ البوليساريو عقبات كأداء امام التوصل الى تحديد هذه اللائحة التي كان عليها أن تأخذ بعين الاعتبار المعطيات السكانية الحقيقية للمنطقة حيث عرفت اكثر من نزوح وهجرة للسكان تجاه المغرب وموريتانيا ومالي وغيرها من المناطق، خاصة عندما كانت المعارك تحتد بين حركات المقاومة المغربية في وجه الاحتلال قبل ان ترى جبهة البوليساريو النور بعشرات السنين، في سياق خطة اسبانية استعمارية هدفت الى خلق كيان مستقل جنوب المغرب، وقبل ان يتولى النظام الجزائري مهمة استكمال مشروع فرانكو بعد ان حاول إلباسه ثوبا تحرريا مزيفا اعتمادا على سمعة جزائر ثورة المليون ونصف المليون شهيد مما تسبب في خداع الكثير من الدول والمنظمات السياسية في العالم علاوة على تلك التي تمت مقايضة موقفها من قضية الصحراء بالمال او الدعم لمواجهة بعض مشاكلها الداخلية التي استطاع النظام الجزائري استغلالها الى أبعد الحدود. وقد أدى ذلك بتلك الدول الى الاعتراف بالحركة الانفصالية ودولتها الوهمية والتي ليست في الواقع الا جيبا من جيوب الديبلوماسية الجزائرية في مختلف المحافل واللقاءات الدولية حيث تتصدر قضية النزاع المفتعل حول الصحراء كل الملفات التي تسهر الجزائر على الترويج لها وآخر دليل على ذلك محاولتها استصدار موقف من وزير الخارجية الياباني من هذا النزاع والذي يبدو انه خيب ظنهم عندما اشار الى ان هذا الملف موضوع مفاوضات ينبغي ان يترك لها المجال للتوصل الى النتائج المبتغاة منها على مستوى التوصل الى حل سياسي مقبول لدى مختلف الاطراف المعنية.

أما المغرب فذاهب الى هذه الجولة متسلحا بمبادرة الحكم الذاتي التي ما تزال تحظى بدعم أوساط دولية عديدة وازنة، وبملف يوثق للممارسات التصعيدية للجزائر وجبهة البوليساريو والتي لا تساعد على انجاز أي تقدم نوعي على صعيد هذا النزاع. ذلك أن ادارة الجزائر لهذه الحملة الموجهة ضد المغرب هدفها افشال مسلسل التفاوض ومحاولة تحميل المغرب مسؤولية هذا الفشل لتبرير العودة الى رفع شعارquot; تطبيق خطة الامم المتحدةquot; التي ماتت منذ زمن بعيد. وقبل هذا وذاك فإن الاجماع الوطني المغربي الذي تجدد حول الوحدة الترابية عامل اساسي في دعم المفاوض المغربي على عكس الانفصاليين الذين انكشف مرة اخرى انهم يدورون ضمن دوائر الاوساط الاستعمارية الاسبانية والهيمنية الجزائرية.

وفي هذا السياق يمكن القول ان من لديه الرغبة الواضحة والمصلحة الصريحة في افشال مسلسل المفاوضات هو جبهة البوليساريو والجزائر كما أوضحتا في سلوكهما منذ العودة الى طاولة المفاوضات التمهيدية من اجل مباشرة التفاوض الجدي على طريق التوصل الى حل سياسي متوافق عليه تنفيذا لارادة المجتمع الدولي مجسدا في مجلس الامن. إلا أن فرص تحقيق الهدف الذي يراود الجزائر والانفصالييين يظل ضئيلا خاصة بعد انكشاف اساليب التزوير والتزييف التي لجأوا اليها امام المجتمع الدولي.