لقد أثارت سلسلة القرارات الأخيرة التي اصدرتها بعض دوائر حكومة (كلمن كيسو إلو العراقية الإسلامية ) الحالية، كالقرار الأخير لما يسمى بمجلس محافظة بغداد بإغلاق النوادي الإجتماعية والترفيهية والليلية، وقرار وزارة التربية بمنع تدريس الرسم والموسيقى في معهد الفنون الجميلة ورفع التماثيل التي تزين مدخله، والقرارات التي سبقتها من قبل مجلس محافظة بابل بمنع الرقص والغناء في مهرجان بابل ومنع سيرك موني كارلو في البصرة من العمل وغيرها من القرارات القرقوشية،هذه القرارات التي بدأت تنهال على رؤوس العراقيين كزخات المطر مع إستعداد المالكي لتشكيل حكومته للمرة الثانية وبنجاح ساحق، سلسلة طويلة من علامات التعجب والتساؤلات والإنتقادات من قبل جملة كبيرة من المثقفين.أغلبهم مثقفون حقيقيون لهم تأريخهم ونتاجهم الثقافي المعروف ولهم فكرهم الذي قد أختلف معه في التفاصيل لكنني أتفق معه في العموميات كالعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء الدولة المدنية، وبعضهم أدعياء ثقافة وصوليون مُتمَلِّقون مُطبّلون للحكومة وأحزابها نهاراً،ومُتطفِّلون على المشهد الثقافي ليلاً عبر تواجدهم في منتدياته الثقافية وحضورهم في صحفحاته الألكترونية وتأسيسهم لمنظمات ضاهرها علماني ديمقراطي مستقل وباطنها فروع تابعة لأحزاب السلطة الإسلامية، وفي وقت الذي لا يفاجئنا تعَجُّب الأدعياء من هذه القرارات لأننا نعلم أسبابه ودوافعه، كونه إما ناتجاً عن خيبة أمل بهذه الأحزاب التي طالما روجوا وطبلوا لها لأسباب طائفية، أو هو جزء من تأديتهم لدورهم كمثقفي سلطة عليهم ظاهراً إبداء الدهشة والذهول من قيامها بإصدار هكذ قرارات وتقديم النصح لها وتقويم عملها لبناء العراق الجديد الديمقراطي الدستوري الفدرالي التعددي ضاهراً وعراق ولاية الفقيه الظلامي الرجعي المُقسّم طائفياً وعِرقِياً باطناً، فإن ما يفاجئنا هو تعَجُّب المثقفين الحقيقيين مما يحدث اليوم رغم معرفتهم بحقيقة أحزاب السلطة الحالية، وبطبيعة الفكر الظلامي الرجعي الذي تحمله، وبشكل العراق الذي كانت ولاتزال تسعى لإقامته، عراق بعيد كل البعد عن طموحات وأحلام وتمنيات هؤلاء المثقفين. ولما كانت الإجابة عن التساؤلات المفتعلة لأشباه مثقفي السلطة لاتهمني من قريب أو بعيد لأنهم لايستحقون ذلك والحديث معهم هبوط لمستوياتهم، لذا سأخاطب المثقفين الحقيقيين الذين أعزهم وأكن لهم ولثقافتهم كل ود وإحترام وتقدير، محاولاً الإجابة عن بعض تساؤلاتهم ومناقشتها، خصوصاً وأنها لطالما كانت محاور للحديث في أوقات ومناسبات مختلفة. فيا أعزائي المثقفين العراقيين الحقيقيين الأصلاء.. دعوني أسألكم:

لماذا الإستنكار والعجب من مثل هكذا قرارات تصدر عن مثل هكذا مجلس محافظة؟ ألأنه مجلس محافظة بغداد؟. سنتبع هذه التسؤلات بأخرى أكثر منها صراحة علّها تستفز عقول البعض وتدفعهم لمراجعة رؤاهم ونظرتهم لما يحدث، منها.. هل إن هذا المجلس يمثل بغداد وأهلها فعلاً؟. قد يقول قائل: نعم فقد تم إنتخابهم من قبل سكان بغداد بإنتخابات مجالس المحافظات الماضية. ثم نعود لنسأل، أيهم؟ فهل إن بغداد اليوم هي بغداد الأمس؟ وهل سكانها وأهلها الحاليين هم نفسهم سكانها وأهلها الأصليين البغادلة؟. الجواب هو كلا، وكاذب من يدعي عكس ذلك، فالجميع يعلم أن أهل بغداد وسكانها الأصليين الذين يمثلون روحها وأصالتها وتراثها الحقيقي غادروها الى غير رجعة ومن بقي منهم لاتتجاوز نسبته10%،أما من يَسكُنون ويَسودون بغداد حالياً فأغلبهم نازحون إليها،طارئون على مجتمعها،لايحملون تراثها الثقافي وروح الإنفتاح والتسامح التي مَيّزَت أهلها الأصليين. إن مجلس محافظة بغداد الحالي يمثل سكانها الجدد الطارئين والنازحين إليها بثقافتهم ورؤاهم الغريبة التي تسود بغداد اليوم وتطغى على مجتمعها، وقراراته تعكس هذه الثقافة والرؤية وتترجمها لواقع عملي، لذا نجدها تلقى قبولاً وصداً لدى الكثيرين من سكانها الجدد الذين لاحظنا خروجهم بتظاهرات كبيرة دعماً لمجلس المحافظة الطاريء وقراره سيء الصيت.أما وزارة التربية وقرارها المثير للسخرية والضحك فلن نطيل الحديث عنه لأنه(جواب باين من عنوانه)، وعنوانه هو خضير الخزاعي وما أدراك ما خضير الخزاعي، فالرجل إسلاموي قديم وكان مقيماً في (الجمهورية الإسلامية المباركة)، فماذا تتوقعون وتنتظرون منه ومن أمثاله!

ونعود لنسأل.. لماذا الإستنكار، وقد رضيتم بأن يكون المدعو حالياً جابر الجابري وسابقاً مِديَن الموسوي وكيلاً أقدم لوزراة الثقافة التي تمثلكم وتعنى بشؤونكم؟. ولماذا العجب وقد رضيتم بأن يكون المدعو نوفل أبو رغيف الذي يحمل له مرافقيه (السِبحَة) أينما ذهب مديراً لدار الشؤون الثقافية التابعة للوزراة وتعاملتم معه والذي يعمل اليوم وبالتعاون مع رئيس مجلس محافظة بغداد الإسلامَوي المدعو كامل الزيدي صاحب القرار المذكور لتأسيس إتحاد أدباءه الإسلامي الخاص الهجين بعيداً عن الإتحاد الشرعي الذي قد يسعى لإغلاقه؟.وعلام العجب وقد أضحى بعض المثقفين أبواقاً للسلطة وطبّالين لها ولساستها وأحزابها؟.فجميعنا شاهدنا أحد الممثلين العراقيين المعروفين وهو يرافق الدكتور الجعفري ولايفارقه ويجلس الى يساره خلال حملته الإنتخابية بالإنتخابات الماضية،وجميعنا شاهدنا إحدى الممثلات العراقيات المعروفات وهي تشارك بحملة المالكي الإنتخابية الأخيرة وتروج له على شاشات التلفاز، وهاهو أحد الشعراء العراقيين يَصِف في مقال له نشرته بعض مواقع الأنترنت كامل الزيدي بالإنسان المثقف الشاعر المُحِب للشعر والشعراء. هذا غيض من فيض ما آل له حال الثقافة وبعض من كانوا محسوبين عليها بالعراق،فكم من أمثال من ذكرناهم ركبوا موجة السلطة وباتو اليوم جزئاً من عَتاد أحزابها الثقافي الذي يُدمِّر أرواح الناس وأذواقهم كما يُدمِّر عَتادها العسكري الذي تُمَثِله مليشياتها بيوتهم وممتلكاتهم،وكل يُكمِّل الآخر.

أسألكم بالله عليكم، ألم تقيموا الدنيا ولم تقعدوها عندما قام الأستاذ مفيد الجزائري يوم كان وزيراً للثقافة بتكريم مجموعة من فناني وإعلاميي العراق الرواد، كان بينهم الإعلامي الرائد الأستاذ نهاد نجيب الذي حاولت شرذمة من خفافيش الظلام إغتياله قبل أيام، فيومها قال بعضكم وقد سمعت هذا الكلام بأذني: كيف يُكَرّم هذا الرجل وقد كان مذيعاً في زمن النظام السابق، وزاد البعض بالقول أنه يذكرنا بالبيانات العسكرية لحرب صدام مع إيران، وأقسَمَ بعض آخر بالأَيمان المغلضة أنه كان المذيع الذي قرأ البيان الأول لإنقلاب 17 تموز، فهذا كنتم تفكرون وربما لاتزالون. لقد أعماكم خجَلكم وقتلتكم كبريائكم يوم لم تروا حقيقة ما يجري في العراق بعيون المثقف المُتفحِّصَة الثاقبة، فقد غض كثيرون منكم الطرف وأغمضوا العين عن هذه الأحزاب عند توليها للسلطة ولمقاليد الحكم في العراق، ويومها خدعتم أنفسكم وشعبكم بأكاذيب واهية صدقتموها، فمنكم من قال بأنها أحزاب لامستقبل لها لأنها زبد البحر وستذروه الرياح والغلبة لامحالة هي للقوى العلمانية الديمقراطية، ومنكم من قال بأنها أحزاب مناضلة ولن تخيب ظن شعبها ونضالها بنظركم معارضتها للنظام السابق، وكأن معارضته صك براءة لحامله، بل وكأن كل من عارضه هو وطني شريف حتى وإن علمتم علم اليقين بأنه من سقط المتاع، ومنكم من كان يقول بأنها ضريبة الديمقراطية ومخاظها العسير الذي يجب أن نصبر عليه وغيرها من الطروحات التي باتت تدفعني للضحك كلما تذكرتها وأتمنى أن تعذروني إن وصفتها بالسطحية،فهي لم تكن سوى مسكنات لم تعد تنفع اليوم بعد أن بدأ سرطان أحزاب الإسلام السياسي ينهش في جسد العراق ويتآكله.

وحتى يخرج العراق من نفق الظلام الذي دخله عام2003، وحتى تفلُت وزارة الثقافة على الأقل من قبضة أدعياء الثقافة الذين يحكموها اليوم وتعود لأهل الفكر والثقافة الحقيقيين، لاتتعجبوا بقادم الأيام ولاتستغربوا وهيئوا أنفسكم بحال أصدرت دوائر عراق ولاية الفقيه الديمقراطي الظلامي التعددي الرجعي الفيدرالي المُقسّم الدستوري القرقوشي، ومنها وزارة ثقافة جابر الجابري ونوفل أبو رغيف الموامنة وليس وزارة مفيد الجزائري وميسون الدملوجي المثقفون، قراراً يَفرض لبس الحجاب على كل النساء كما في إيران و أفغانستان، أو يَمنَع الرجال من إرتداء الرباط ويُحرّمَه كما في إيران، أو يمنع الفنون الموسيقية والمسرحية والتشكيلية ويحرمها ما لم تتناول مواضيع دينية تعرفونها جدياً. لذا كلوا اليوم من ثمرات ما زرعت أياديكم بالأمس وألف عافية، لأن المَيُعرُف تدابيرة حنطتة تاكل شعيرة،والله لايُغيّر مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. أماكنتم تحلمون بعراق جديد؟هاهو عراقكم الجديد لكنه وياللأسف عراق جديد لاعلاقة له بعراق الشخوص التي عرفناها والأمكان التي عشناها والتي ضاعت منا وربما غادرناها الى الأبد.

[email protected]