أصبحت الولادة خارج عش الزوجية ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات. و هي ظاهرة مرشحة للزيادة مع تطور و انفتاح المجتمع. و بما أن عددا من الأمهات لا تجهر بالإفصاح عن مولودها في هذه الظروف، خوفا من الفضيحة، أصبح الأطفال مجهولي الهوية أو ما يسمى عادة بالأطفال اللقطاء ظاهرة مجتمعية في الدول العربية تتطلب الحل. و يكفي أن نذكر أن عدد هؤلاء الأطفال في مصر، على سبيل المثال، يفوق المليونين، حسب بعض التقديرات.

لا اعتقد انه يوجد حل أفضل من تشريع التبني لمعالجة هذه القضية، بحيث يصبح الطفل ابنا للعائلة التي تبنته، يحمل اسمها و له ما لأبناء العائلة الآخرين من حقوق و واجبات. و لقد اهتدى الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة لهذا الحل منذ حصول الدولة التونسية على الاستقلال، إذ وفر منذ البداية الأسس التشريعية و المؤسسية لهذا العمل الإنساني النبيل. أقدم على إنشاء المركز الوطني للطفولة حيث يعمل أهل الخير ndash; بعضهم بصفة تطوعية - لتقديم أفضل الخدمات و مد يد المساعدة لهؤلاء الأطفال. كما بادر بتشريع التبني، ضمن عملية الإصلاح الكبرى التي تبناها اقل من خمسة أشهر اثر حصول الدولة على الاستقلال، و التي قام بموجبها بإصدار قانون المرأة في شهر أغسطس 1956، الذي الغي تعدد الزوجات و وضع حدا لتزويج القاصرات بتحديد عمر 18 سنة كحد أدنى لزواج الفتيات، مع وضع ضوابط للطلاق الذي أصبح مدنيا يتطلب صدور حكم قضائي من المحكمة يضمن حق المرأة المطلقة في حضانة الأطفال، مع تمكينها من السكن و النفقة.

و في هذا الموضوع أنا أتحدث بطبيعة الحال بناء على تجربة شخصية، حيث ترددت على مركز الطفولة في ضواحي مدينة تونس العاصمة لأشهر عديدة في سنة 1999 للتعرف على المولودة الجديدة ndash; خولة - التي تبنيتها فيما بعد و لم يتجاوز عمرها 21 يوما. و لقد انبهرت حقيقة منذ البداية بنظافة المركز و الظروف الجيدة المتوفرة لهؤلاء الأطفال. كما كانت لي تجربة سارة مع المحكمة التي أصدرت حكمها في أيام معدودة، اثر حصولها على تقرير من الخبيرة الاجتماعية التي قامت بزيارتنا في البيت بصفة مفاجئة للتعرف على الظروف التي وفرناها لابنتنا الجديدة.

لكن باقي الدول العربية كانت اقل حظا للأسف الشديد، إذ أبقت على تحريم التبني مكتفية بإنشاء دور الأيتام و مجهولي الهوية، مطالبة أهل البر بما يعرف بكفالة هؤلاء الأطفال. و هذا حل خطا في تقديري. صحيح إن الكفيل في هذه الحالة مطالب بمعاملة الطفل المكفول معاملة أطفاله في الإنفاق و الإحسان و التربية. كما يمكن ضم هؤلاء الأطفال إلى أسرة الكفيل. لكن ما أود أن أركز عليه هنا انه حتى في هذه الحالة لا يحمل الطفل اسم عائلته الجديدة و لا يحق له مشاركة إخوته الجدد في الميراث. و هذه كارثة نفسية حقيقية، إذ يشعر هذا الطفل كل يوم بالتمييز ضده داخل البيت. و لا استطيع شخصيا أن أتصور شعور ابنتي خولة و هي تحمل اسما مخالفا لاسم عائلتي، أي خلافا للاسم الذي تحمله أختها ndash; ابنتي البيولوجية ndash; quot;إخلاص.quot; كما لا استطيع أن أتصور شعورها بعد ذلك بخروجها بخفي حنين عندما يتم تقاسم الميراث بين باقي أفراد العائلة.

ليست مسالة التبني هي الكارثة الوحيدة التي تعيشها العائلة في معظم الدول العربية و الإسلامية التي فشلت في تبني الحداثة. و اخص بالذكر هنا فاجعة تعدد الزوجات القبيحة التي يضاجع بمقتضاها الزوج امرأة ثانية دخيلة على العائلة دون ضمير أو أخلاق، وكذلك فاحشة زواج القاصرات التي تعتبر جريمة بكل المقاييس الطبية و الإنسانية و الأخلاقية. لكن تحريم التبني يمثل بحد ذاته قضية مجتمعية كبرى لم يعد بالإمكان التغاضي عن أثارها على الأطفال مجهولي الهوية و على المواطنين الذين يودون التبني و على المجتمع ككل. و من هنا أرى أهمية أن تتضافر جهود الجمعيات المهتمة بحقوق الطفل و المشرعين و صناع القرار لتشريع التبني في الدول العربية، في اقرب وقت ممكن. و يمكن اتخاذ الإطار التشريعي و المؤسسي التونسي كنموذج للاهتداء به في هذه الحالة.
و الضمير ولي التوفيق.

[email protected]