منذ فترة ليست بالطويلة طرح الائتلاف الكوردستاني وبشكل ملفت للنظر موضوع استحداث منصبين جديدين اضافيين احدهماquot; نائب ثالث لرئيس الجمهوريةquot; والثاني quot;نائب ثالث لرئيس الوزراءquot; واقترح ان يمنح احدهما للتركمان والاخر للمسيحيين كونهما من المكونات الرئيسية في العراق. ويبدو من الاسباب الموجبة لهذا الطرح هو اظهار الحكم والحكومة التي ستتألف بمظهر حضاري امام الرأي العام العربي والدولي وبعد ان اثارت مجزرة كنيسة سيدة النجاة الكثير من التساؤلات عن حالة القوميات غير العربية والكردية في العراق الجديد.

وبالرغم من ان المقترح لم يحدد القومية التي ستنال هذا المنصب او ذاك الا اننا لاحظنا ان الاخوة التركمان وقيادييهم انبروا يتحدثون عن منصب نائب رئيس الجمهورية كونهم القومية الثالثة في العراق ويبدو ان حديثهم هذا مرتبط باشارات تلقوها من فخامة رئيس الجمهورية، كونه هو الذي سيختار نوابه حسب قانون سيقدمه للبرلمان، كما ان قضية كركوك تلعب دورا حاسما في هذا الامر، اما المسيحيون فلم نسمع منهم، بحدود علمنا، اى تعليق ماعدا ظهور بعض اسماء لتنظيمات واحزاب لم نسمع بها من قبل تسعى لاخذ قطعة من جبنة الحكم.

النائب التركماني الاستاذ عباس البياتي،الذي يشعرك بالدف اثناء الحديث معه، اعتبر ان نيل التركمان منصب نائب رئيس الجمهورية هو quot;استحقاق قومي ووطني للتركمانquot; وعزا ذلك الى ان المناصب السيادية وزعت وفقا للاستحقاق القومي فالعرب ( الاكثرية العددية الاولى) حصلوا على رئاسة الوزارة ومجلس النواب والكرد ( الاكثرية العددية الثانية ) حصلوا على رئاسة الجمهورية لذلك يجب اعطاء التركمان ( الاكثرية العددية الثالثة ) منصب نائب رئيس الجمهورية.

بهذا الطرح المشابه لمتوالية هندسية حسم النائب البياتي الامر دون النظر الى الكثير من الامور التي تحيط بمثل هذة المسائل الحساسة ويبدو ان quot; حساباتهquot; هذه عائدة الى رغبة مكنونة في اعماقه ان يطلق عليه لقبquot; فخامة نائب الرئيس quot; وانا اول من ساقوم بمناداته ان نجح في الوصول، لذلك اشار في تصريحات نشرتها جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 15 كانون اول 2010 نافيا ان يكون المنصب الثالث لنيابة رئاسة الجمهورية قد حسم لاحد لغاية الان وقال quot; ان هناك مرشحين عدة من التركمان لهذا المنصب واسمي بين المرشحين quot;...هذا القول للنائب البياتي لايعني سوى تذكير من يعنيهم الامر ومن الذين سيحددون اسم هذا المرشح او ذاك بأنه موجود وعليكم عدم نسيانه، انه اسلوب لايخلو من ذكاء سياسي.
لاشك ان النائب البياتي يتذكر جيدا انه وفي انتخابات سابقة في الهند تم انتخاب مسلم كرئيس للجمهورية وقد فاز هذا ليس بأصوات مسلمي الهند القليلي العدد،بل باصوات الهندوس وهم الاكثرية. اما لماذا انتخب فلانه عالم كبير وذو ثقافة واسعة وبذلك تغلبت الكفاءة على العدد والشعور الديني. اما في تيمور الشرقية الفقيرة فبعد ان تحررت من الحكم الاندونيسي، وبعد ان دمر الجيش الاندونيسي مؤسسات تيمور الشرقية قبل رحيله عنها اجرت الامم المتحدة انتخابات في هذه الدولة المسيحية الفقيرة ففازت برئاسة الوزراء شخصية مسلمة بأصوات مسيحية لانها تمتلك المؤهلات والخبرة والكفاءة وهكذا انتصرت الكفاءة على الشعور الديني ولم يقل احدا ان المسلمين اقلية في هذا البلد لايتجاوزون ال 7%.

وعودة الى موضوع quot; الاستحقاق القومي والوطني للتركمان quot; علينا ان نسأل، ونحن سنفرح ان يحصل الاخوة التركمان على اي منصب سيادي كان ام غير سيادي لانهم عراقيون اولا واخيرا، علينا ان نسأل على ماذا يعتمد الاستحقاق؟؟ هل ان quot; عدد التركمانquot; في العراق هو الذي حدد قوميتهم تحت تسلسل رقم ( 3 ) مثلا؟ ان كان الامر كذلك نستطيع القول انه لايوجد تعداد حقيقي يبين نسب السكان بالنسبة للقوميات الموجودة ونستطيع القول ايضا،وبكل سهولة، ان المسيحيين اكثر عددا من التركمان قد يصل الى الضعف ولكن المشرع واللجنة التي وضعت مواد الدستور عام 2005، وبتأثيرات معينة في ذلك الوقت العصيب المملوء بعواطف خمد بعضها حاليا لحسن الحظ، صنفت التركمان كقومية ثالثة نظرا لعدم وجود او وجود موقف خجول ومتردد من قبل النائب المسيحي في لجنة الدستور فلم تسمع اللجنة في ذلك الوقت ان المسيحيين العراقيين هم بحدود 4 ملايين مسيحي عراقي في الداخل والخارج، فأخذت اللجنة بمن هم في العراق فقط واعتبروا اقلية ناسية ان من يخرج ويعيش في الخارج لازال يحمل الجنسية العراقية وله ذات الحقوق وذات الواجبات ولا تسقط عنه الجنسية العراقية لان الامر لو كان كذلك لاسقطت الجنسية العراقية عن معظم الذين يحكمون العراق الان. ولما كانت هناك ضرورة لاجراء انتخابات الخارج ولا اسمى لبنان مثلا وزارة خارجيته quot; بوزارة الخارجية والمغتربين quot;.

وبهذه المناسبة لااريد ان يفهم الاخوة التركمان، الذين امتلك صداقات حميمة مع الكثير منهم،انني احرمهم من منصب سيادي فهم يستاهلونه واكثر، كل ما في الامر انني ضد فكرة quot; العددية quot; وان العراقي الذي يتبع هذا الدين او الطائفة هو اهم من العراقي الذي يتبع دين او طائفة اقل عددا. مثل هذا التفكير لا يتناسب وافكار القرن الحادي والعشرين التي تشير بروح العدالة وحقوق الانسان.

ان المسيحيين العراقيين هم ذخيرة للعراق وهم يقفون صفا واحدا مع اخوانهم المسلمين في السراء والضراء ونحن على ثقة بانه سياتي يوم قريب، وبعد ان تستطيع الحكومة التحكم بشكل كامل بالحالة الامنية، ليعود الملايين منهم، الموجودين في الخارج حاليا، الى العراق حاملين معهم الخبرة والمعرفة والمال لان العراق عراقهم اولا واخيرا وان العراقي مهما بقي في الخارج فان عينيه تكون مصوبة بالتالي نحو وطنه.

ان البراعة السياسية للقائمين على السلطة حاليا تقتضي التفكير مليا في منح مسيحيي العراق منصبا سياديا رفيعا كنائب لرئيس الجمهورية. فالمسيحيون العراقيون هم سكان البلاد الاصليين وكانوا على الدوام من المسالمين الذين لم يرفعوا اصبعهم تجاه احد بالاضافة لذلك فهم يمتلكون ذخيرة كبيرة من المثقفين والمتعلمين والخبراء بحيث يمكنهم ان صح التعامل معهم ان يكونوا (لوبي عراقي ) في الخارج يمكن ان تستفيد منه الدولة العر اقية في تعاملها مع دول العالم ولاسيما الدول الكبرى، كما ان وجود مسيحي كنائب لرئيس الجمهورية سيعتبراداة اطمئنان لمسيحيي الداخل وايقاف الهجرة المستمرة حاليا وكذلك طمأنة مسيحيي الخارج للعودة الى وطنهم عاجلا ام اجلا.
ان مثل هذا الفعل سيؤدي ايضا الى احداث تغيير ايجابي في الراي العالم العالمي الذي ضج بعد الفعلة الشنيعة باقتحام كنيسة سيدة النجاة وقتل المصلين فيها بدم بارد حيث برز بشكل واضح ان ذلك الفعل الاجرامي كان استهداف مقصود ضد المسيحيين العراقيين بالذات وليس تفجير عبوةفي شارع او مكان عام قد يقتل فيها المسلم والمسيحي والصابئي مثلا.

ان ما نصبو اليه من هذا الطرح لايعني الحصول على quot; حصة quot; للمسيحيين ولكنها تتعلق بتكوين صورة ايجابية جديدة للحكم والحكومة امام المجتمع الدولي وامام المواطنين في الداخل ايضا.

نقولها بكل صراحة ووضوح انه لايهم دين او مذهب او طائفة او قومية من يمثلني في مجلس النواب او في الحكومة العراقية او من يكون نائبا لرئيس الجمهورية او نائبا لرئيس الوزراء، ففي الانتخابات الاخيرة وقبلها انتخبت مسلما ( ليس على اساس دينه بل لمطابقة مشروعه الوطني مع افكاري ) ليمثلني وقد قام وسيقوم بذلك بكل مسؤولية، وهناك العشرات من الوزراء والنواب هم الذين يمثلوني في الحكومة ومجلس النواب وانا واثق انهم سيؤدون واجباتهم تجاه مواطنينهم بكل جراة، علما بانه لا الوزيرة المسيحية ولا النائب المسيحي الموجود في مجلس النواب حاليا اقبل ان يمثلاني لا من قريب او من بعيد لانهما لايمتلكان اي مشروع وطني واية قدرة على تمثيل الاخرين اولا ولم اسمع انهما فعلا شيئا لمن انتخبهم، ولانني اري ان من الخطأ ان يكون تمثيل الاخرين يجب ان يكون وفقا للدين او الطائفة او المذهب او القومية. ان اجمل يوم سيكون عندما ينتخب المسلم مسيحيا وينتخب المسيحي مسلما وينتخب السني شيعيا وينتخب الكردي عربيا على اساس المشروع الوطني ولاينظر الجميع الى طائفة او دين او مذهب المرشح وعندذاك سنقول ان العراق بألف خير.

اعلامي عراقي
عضو مجلس مفوضية الانتخابات سابقا