هل نحيّي نوري المالكي على حُسن ادارته لحالة الاستعصاء الوزاري والازمة السياسية التي استمرتا ثمانية اشهر وخرج منهما منتصرا وهو الخاسر أصلاً في انتخابات السابع من آذار(مارس) الماضي؟ أم نعزي جمهور وناخبي ومناصري القائمة العراقية الذين بنوا آمالا عريضة على عدد ممن يسمون بقادتها وقيادييها ملأوا الارض ضجيجا وشغلوا الناس بتصريحات قالوا فيها ان التغيير قادم لا محالة والمشروع الوطني مقبل لا شك فيه، فاذا بهم يتساقطون الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف ويتسابقون على كسب منصب ووزارة، وبعض هؤلاء (القادة) نسفوا مواقفهم السابقة ونسوا وقفاتهم القريبة الماضية بسرعة قياسية وأحدهم قال بالفم المليان (على جثتي.. لن يأتي المالكي) وها قد أتى المالكي وصاحب التهديد تربعت جتثه على موقع سيادي وكان أول المباركين لرئيس الحكومة المكلف، في مفارقة تؤشر زمن الانحطاط السياسي والاخلاقي الذي يتسع يوما بعد يوم ويتقدم فيه أصحاب الصوت العالي والالسنة الطويلة والعرابون من أهل المال ورجال التجارة والاعمال، وتضيع القيم والمباديء التي يبدو انها في نظر بعض المتهافتين على النيابات والوزارات والامتيازات مجرد حصان يراهنون عليه في سباق الخيل الذي يسميه العراقيون شعبيا (ريسس) وهي مفردة تركية الاصل تعني عديم الرأي او ناقص العقل.

وعندما كتبنا كثيرا وسعينا الى تنبيه نواب في القائمة العراقية ممن عرفوا بالعفة السياسية والبعد عن المنافسة وتجنب المغانمة (من الغنيمة) كان قصدنا ان يتحركوا ويضغطواعلى قادتهم بائعي المناصب ودلالي الوزارات، وناشدنا طارق الهاشمي الوحيد من قادة القائمة الذي ترفع عن المشاركة في الالاعيب السياسية وإستنكف من المساهمة في المزادات العلنية والسرية لبيع وشراء بعض الوزارات المخصصة للقائمة، الى التدخل وانتشال (العراقية) من الذين خطفوها وراحوا يتلاعبون باستحقاقاتها السياسية والانتخابية، وقد حاول الرجل ولكن التآمر عليه واستهدافه شخصيا من زملائه النشامى منعه من القيام بعمل او فعل يمنع انهيار القائمة وتشرذمها واليد الواحدة لا تصفق كما يقال دائما.

لقد خذل قادة (العراقية) حمهورها وخانوا ناخبيها ومنتخبي نوابها الذين هم اليوم يندبون حظهم لانهم خٌدعوا وضُللوا عندما صدقوا الوعود والشعارات والتصريحات التي اطلقها قياديو القائمة بالتغيير والمشروع الوطني وشطب المحاصصات وهي موثقة ومحفوظة قبل الانتخابات الاخيرة وبعدها، واذا بهم يهرعون الى المالكي خصمهم اللدود كما كانوا يزعمون ويرتمون في أحضانه نوابا له ووزراء عنده وسنكشف تفاصيل المساومات والمقايضات بشأن ذلك في كتابنا الذي سنصدره في الربيع المقبل ويحمل اسم (العراقية.. قائمة للاتجار ومزاد للاستثمار) معززا بالوقائع والوثائق والاحداث والتواريخ ومحاضر الاجتماعات وشهادات الاحياء وليس الاموات.

لقد نجح المالكي في اختراق القائمة العراقية التي فازت بالمرتبة الاولى في الانتخابات ليس لانه سياسي من طراز نوري باشا السعيد، وكان يرحمه الله في ايامه الغابرة يتمتع بقدرات متميزة في اختراق خصومه وجلبهم الى الطاعة بالاقناع والاغراء والتهديد، نقول ذلك لان بعض مؤيدي المالكي نشروا مقارنات ومقاربات بين النوريين الراحل والحالي رغم الفوارق بينهما، وانما وجد امامه اناس عرف مسبقا ان الطمع ديدنهم والجشع هاجسهم، فعندما جاءهم وهو ضعيف يجس نبضهم للتعاون معهم في تموز (يوليو) الماضي ويحثهم على التحالف معه وفق طريقة (الففتي ففتي) اكتشف انهم منقسمون وكل قائد منهم يتطلع الى ان يكون وحده في الساحة، واكتشف ايضا ان (العراقية) ليست قائمة واحدة وانما اربع او خمس عراقيات، وهنا ضرب ضربته وذهب الى مقتدى الصدر واعدا اياه بما يحب ويشتهي من الوزارات والامتيازات وجاء برئيس منظمة بدر هادي العامري وشق المجلس الاعلى والتحق به غريمه اللدود ابراهيم الجعفري نادما وسارع عراب البيت الشيعي احمد الجلبي وانضم اليه متلهفا وبذلك حظي باجماع شيعي عزز من مكانته، بينما تراجعت قائمة المكون السني كما وصفها ذات مرة فانبرى له النائبان حيدر الملا وميسون الدملوجي يفندان وصفه ويبرءان القائمة العراقية من (التهمة الخطيرة) التي يريد المالكي الصاقها بها والملا وهو من جماعة صالح المطلك هدد بمقاضاة المالكي يومها، هكذا كان رد الناطقين باسم القائمة التي احتشد السنة العرب لاول مرة بعد الاحتلال وساندوها وانتخبوا نوابها وفوزوهم ونقلوهم الى البرلمان ليحصلوا على سيارات مصفحة ورواتب شهرية بالاف الدولارات ومكآفات ومخصصات مالية وحمايات وحراس وخدم وحشم، وواحد منهم شوهد مؤخرا يتمختر بسيارته المدرعة الفارهة في شوارع (الصويفية) احدى ارقى أحياء العاصمة الاردنية جاءته هدية من رجل أعمال معروف يوصف بانه عراب القائمة العراقية.

لقد انتصر المالكي لا شك في ذلك على (العراقية) التي هُزمت وتدحرجت، وهو قدم خدمة لناخبيها ومشجعيها ومن وقف معها يُشكر عليها، لان الدورة الانتخابية المقبلة ليست بعيدة، فكما اسقط السنة العرب في الانتخابات الاخيرة مرشحي التوافق والحزب الاسلامي وعاقبوهم بما يستحقون، سيكون العقاب مشددا ومضاعفا لكل من خان العهد والوعد خصوصا أولئك الذين تبرأوا من السنة العرب واعتبروهم (غشمة) جمع غشيم، وما دروا ان انقلابهم على ناخبيهم له استحقاقات سيدفعون ثمنها بعد ثلاث سنوات ليس فقط خسارة النيابة والوزارة وانما أشياء أخر سيأتي آوانها، وتهنئة للمالكي بعودته الى رئاسة الحكومة فقد كسب جولة والمعركة مستمرة لم تنته بعد، والفاتحة على روح (العراقية) التي لفظت انفاسها الاخيرة غير مأسوف عليها.