مدارس الليسية وquot;و الاي بي اس quot; و quot;الاي جي سي quot; وباقي المدارس الخاصة في مصر تمر بمرحلة خطر خصوصا مع صدور قرار جديد من قبل وزير التعليم المصري احمد زكي بدر، و هنالك أزمة و احتجاجات و اضراب طلاب مدارس واولياء امور منذ ثلاث ايام و تدخل من قوات الامن المركزي المصري و الشرطة. و لقد اشتعلت معها المدارس القومية بالإسكندرية احتجاجاً علي تحويلها إلي مدارس تجريبية طبقاً لقرار وزير التربية والتعليم رقم 475 لسنة 2010.

اشتهرت مصر بمدراسها و مراكزها التعليمية على مدار العصور و كانت تتعافى بعض الدول العربية من حالة quot;الامية التعليمية quot; و غياب الاتيكيت بارسال ابنائها و بناتها الى مدارس انشئت على يد الاوروبيين حيث لم تخلو مصر من مدارس فرنسية و المانية و بريطانية و ايطالية و يونانية و غيرها على اعلي مستوى من العلم و الثقافة.

كان الاستثمار الحقيقي التعليمي لمصر هو في تلك المدارس الاجنبية الخاصة التى اهتمت بجمع الطلاب العرب مع المصريين في حالة من التوافق نحو النهضة و الفكر المستنير و الثقافة العالمية و اواصر الصداقة القوية و قدمت لهم علما نافعا و لغات فكت رموز عجلة الثقافات الاوروبية. و لكن مع مرور السنوات تمت تصفية المدارس الاجنبية بطرق مختلفة او محاولة quot;تمصيرها تعليميا quot;.

و السؤال ماذا لو بقت تلك المدارس على دقتها و اهميتها و علمها دون اغلاقات و تأميم و مصادرة؟. و ماذا حدث للتعليم اليوم في مصر2010؟ و اين وصلت حالة الطالب و قدراته في تلك المدارس بعد كل ما اصيبت به من حالات تقييد و شلل و مصادرة اراض و ملاعب واطاحة و ازاحة لكودارها الاجنبية و اقامة مدارس دون شكل معماري و دون توظيف للكادر او اهتمام بالثقافة، و اتت القرارات عبر العصور على لتصادر اجزاء من تلك المدارس و تقيم عليها مدارس او مراكز؟.

ولعله لم تقم اي دولة عربية و حتى تاريخنا المعاصر بانشاء مدارس اجنبية خاصة تقدم تعليما متميزا و متفردا ذات خريجون من الدول العربية رغم انشاء العديد من المدارس الفخمة التى تماثل الفنادق، و المقصود اصبح الطلاب طلاب ترانزيت و دون ارتباط او علاقات او معرفة، فقد تحولت المدارس الى سوبر ماركت كبير و مظاهر تجارية بحتة و دون الاهتمام بالمحتوي في بعض من دورها.

في حين قدمت المدارس الاجنبية الخاصة من خلال الاساتذة و الجهاز التعليمي رابطة بين الطلاب تجمعهم حالات شغف التعلم و التكامل المعرفي و علاقات لا تنقطع.
ان تلك المدارس كانت لها مرحلة انتقالية في تطوير المجتمعات العربية و ربطها، ولقد كانت اغلب ابناء العائلات المنتمية الى القوى السياسية و الاقتصادية و الثقافية العربية هم ممن درسوا في تلك المدارس الاجنبية الخاصة في مصر، و لم تكن المزايا محصورة على الاخوة المصريين فقط و انما امتدت الى الطلاب العرب.
كانت المدارس صفحة متخصصة من ترتيب الفكر و الثقافة و تطويرها في اطار من الرعاية و التوجيه ودون تمييز.

سواء كانت الملكة صوفيا من اسبانيا او الملك قسطنطين و ملك بلغاريا وملك اليونان او سلطان زنزيبار او الملك الحسين ملك الاردن او الملك فيصل ملك العراق او عدنان الباجاجي مرشح الرئاسة في العراق او الملك الالباني ليكع زوغو او جاسم الخرافي رئيس مجلس الامة الكويتي او زيد الرفاعي رئيس مجلس الامة الاردني او الصادق المهدي رئيس وزراء السودان و احمد نظيف رئيس وزراء مصر و منصور حسن وزير الثقافة و الاعلام و رجال اعمال مثل الشربتلي و الخاشقجي و عبد اللطيف جميل و اسلام و بن لادن من السعودية و الغانم و البحر و الحمد من الكويت و اداوراد سعيد الفلسطيني الامريكي المفكر و مشاهير الفن من امثال يوسف شاهين و عمر الشريف و الكثير ممن تسلموا مناصب دولية لعل اكثرهم قربا هم عبد اللطيف الحمد في صندوق التنمية الكويتي و عبد الشكور شعلان مدير البنك الدولي كما هو شيكوريل و بنزيون و ريفولي وفرغلي باشا ملك القطن و الامرية شويكار و غيرهم.

جميعا كانوا في مصر ومدارس الاسكندرية الخاصة تحديدا في اتحاد حضاري للتعلم و النهل من التجربة الثقافية لحوض البحر الابيض المتوطس و عروسه الاسكندرية و ذلك للقضاء على الامية و الحصول على التمييز و لاجل اجيال المستقبل تضاهي الغرب تعليما و ثقافة.

المدارس المصرية الاجنبية كانت مشروع متكامل وهي بوتقة فريدة لصناعة الساسة و الاقتصاد في المنطقة العربية للمستقبل، و كانت تفريخا للعقول العربية وقدمت فرصا افضل للعلم و الثقافة عما هو متوافر في بلدانهم و التى كان بعضها يفتقر الى المدارس المؤهلة.

كانت الاسكندرية هي المحور للتفاعل الحضاري بين شعوب المنطقة و كانت مدارسها الخاصة نقطة جذب و ابهار في الشرق.
و يتسائل البعض ماذا حدث للتعليم و المدارس الخاصة في مصر؟ و لماذا هنالك محاولات دائمة لوئدها و الاجهاز عليها و خنقها؟. ماذا يعني تحويل المدارس الاجنبية الى مدارس تجريبية؟ وماهي الخطوة التالية بعد التجريبية؟.

اليوم يشعر البعض بأن quot;فأس الهدم quot; تقوم بأتمام ما تم هدم اجزاء منه بالامس، فبعد ان تم تأميم المدارس الخاصة و تغيير اسماء بعضها والاعتداء على اراضيها و تحويلها من خاصة الى قومية واتهامها بتصدير الافكار الاستعمارية و خلق اجيال تابعة للمستعمر، و بعد ان اهدرت بعض من حكومات سابقة اوضاع المدارس الخاصة نتيجة اعتمادها على محاربة المدارس الخاصة في حرب ضروس خلال العقد الماضي لاجل افلاسها و انهائها. ما هي النتجية اليوم لكل ما حدث لتلك المدارس؟.

اليوم قرارا وزاريا جديدا يهدف الى السيطرة الكاملة على المدارس القومية و تحويلها الى مدارس تجريبية طبقا لقرار وزير التربية و التعليم المصري رقم 475 ضاربا بعرض الحائط كل ما قدمته مصر لابنائها وللعرب اللذين درسوا بتلك المدارس، و تلغي كل ما يمكن ان تقدمه لابنائها في مصر و كأن الهدف هو الغاء كل ما يشير الى تاريخ عريق و رغبة في السيطرة التامة من قبل الحكومة على المدارس الاجنبية و الهيمنة على التعليم.

يرى البعض انه قرار يهدف الى تجريد المدارس من خصوصيتها رغم ان تصريحات الوزير المصري تؤكد أن تحويل المدارس الى مدارس تجريبية يحافظ على حقوق الطلاب و عدم المساس بهم؟!!.
و اختار القرار 475 والذي من المتوقع صدور قرارات تالية و تابعه له لضم مدارس اخرى، اختار القرار ثلاث مدارس شهيرة و معروفة بالاسكندرية وهي مدرسة اللييسيه التى عرف عنها انها اهم المدارس الفرنسية للبنات حيث تخرج منها العديد من النساء الرائدات اللاتي ساهمن في نشر الثقافة و الانفتاح و العقلانية.
و لعل الجميع يذكر الفنانة الراحلة مديحة كامل و ما قدمته للسينما و التى تعتبر من احد الخريجات التى اضافت للمرأة اصوات الحرية على الشاشات السينمائية.

اما المدرسة الثانية هي مدرسة الاي جي سي للبنات و التى كانت هبة و هدية من اولياء امور طلاب كلية فيكتوريا لشقيقاتهم، و قام رجال اعمال عرب و ساسة بالتبرع لانشاء المدرسة بالاسكندرية و التى توحدت مؤخرا في بعض من الاجتماعات مع نادي خريجيي كلية فيكتوريا الاشهر على مر العصور.

اما المدرسة الثالثة التى ضمها القرار فهي المدرسة العملاقة quot;الاي بي اسquot; وهي مدرسة بريطانية للطلاب تخرج منها رئيس الوزراء الحالي احمد نظيف و لاعب كرة القدم المصري اسلام الشاطر.

المدارس الخاصة في مصر جعلت الجميع ممن درسوا بها عالما واحدا و هو ما لم تقدر عليه اي مدارس اخرى في المنطقة.
من المتوقع حسب راي بعض من المتطلعين على سياسة وزراة التعليم المصرية و بعد زلزال تحويل مدارس خاصة الى قومية ان يصدر قرارا اخر يشمل كلية فيكتوريا، مدرسة سان مارك، سان جان انتيد، مدرسة القلب المقدس للبنت، و يبقى السؤال لماذا؟و لمصلحة من؟.

هنالك اخطاء في مجالس الادارة في بعض المدارس، و هنالك مخالفات مالية، و هنالك شكاوي، قد يكون كل ذلك صحيح و لكن ليس الحل في تحويل تلك المدارس الى مدارس تجريبية و تغيير مدرسة البنات الى مدرسة المستقبل و المدرسة البريطانية الى مدرسة الطلائع و كأن المدرسة اصحبت مدرسة سورية تستمد اسمها من طلائع البعث!
من حق الوزير تطبيق سياسة تعليمية ولكن ليس من حقه مسح التاريخ حيث ان ضرر التغيير اكثر من نفعه، و لقدشاهدنا الاعتصامات و لبس السواد يوم الثلاثاء و اعتصامات الطالبات و ضرب اولياء الامور على الشاشات الصغيرة، و كأن هناك اغتيال لتاريخ كامل لما تبقى من مصر التعليمية.

حالة الغضب ليست مصرية فقط، و ليست محلية، بل هي حالة غضب تشمل كل من درس في تلك المدارس الخاصةالمتميزة، و كل من يرتبط بمصر و يشعر ان تلك المدارس جزءا من تاريخه و من علمه و ثقافته و يتمنى ان تتقدم تلك المدارس و تبقى رمزا للثقافة و الدور التى قامت به الاسكندرية المدنية الاسطورية الخالدة.

اقترح على الوزير احمد زكي بدر الاجتماع مع رؤساء مجالس الادارة و مع بعض من خريجي تلك المدارس العملاقة للنظر في كيفية تطويرها، كيفية تخصيصها، كيفية بيعها للخريجيين لاجل اعاداتها الى ما كنت عليه من حالة ازدهار و ثقافة و علم و ملاعب رياضية، و من الحلول المقترحة اعطاء وزارة التربية و التعليم مدارس بنفس المساحة في المناطق الجديدة بالاسكندرية مقابل منح الخريجيين مدارسهم لاعادتها الى اصلها و تاريخها و تميزها في اطار تنظيمي لحل المشكلة التعليمية في مصر.

بلا شك هنالك العديد من الاخوة المصريين و العرب قادرون ماليا و سياسيا و لديهم الرغبة في تقديم يد العون لاعادة تلك المدارس الى وضعها الدولي.
ان القرار اذي بدا متسرعا من قبل الوزير، و اقصد هنا ان اقول الخاطيء، قد دفع الطلاب و الاهالي بالتظاهر و اثار حالة من الغضب داخل و خارج مصر حيث كان بالامكان الوصول الى حل ناجع يدفع بالعملية التعليميةالى خطوط مرحلية تعيد لمصر قيمتها و دورها الرائد التعليمي دون هذا القرار التجريدي.
[email protected]