أعلن قبل أيام في العاصمة الألمانية برلين، عن إنعقاد الإجتماع التأسيسي لتشكيل التيار الديمقراطي في ألمانيا، والذي يمثل جزئاً من مبادرة تقوم بها وتوجه عام تسعى اليه بعض الشخصيات والقوى السياسية العراقية العلمانية المؤمنة بالديمقراطية لتشكيل مجموعة تيارات ديمقراطية داخل العراق وخارجه تسعى لنشر الديمقراطية وتفعيل آلياتها في المجتمع، والذي حضرته مجموعة من رجال الفكر والسياسة والثقافة العراقيين. وفي الوقت الذي نثمن ونبارك قيام هذا الجَمع الكريم لأساتذتنا الذين نعزهم ونجلهم بمثل هكذا مبادرة،نود أن نشير لجملة ملاحظات تبادرت لإذهاننا ونحن نتابع الخطوات التحضيرية لتشكيل هذا التيار والإعلان عنه، نتمنى أن تجد لها آذاناً صاغية تسمعها وصدوراً رحبة تستوعبها،وربما تأخذ بها لتجاوز ما يمكن وصفه بإخفاقات نرى أنها رافقت تأسيس التيار، والتي نخشى أن ترافق عمله في الفترة القادمة، وهو عمل نتمنى أن يكون فعالاً ومثمراً، ومن هنا جاء حرصنا على كتابة هذه المقالة.
بدئاً نود أن نسأل..من أين جائت فكرة تأسيس هذا التيار؟ هل هي فكرة مجموعة شخصيات سياسية وثقافية وأكاديمية عراقية؟ أم إنها فكرة أحزاب معينة ترعى مثل هذه التوجهات، أو تريد منها أن تكون واجهات جماهيرية لها؟. طبعاً نتمنى أن يكون الجواب هو الأول حفاظاً على إستقلالية عمل التيار وتوجهاته، لكن حتى إن كان الجواب هو الثاني فنتمنى أن لا يكون الدافع خلق واجهات وإنما الإيمان بالديمقراطية والسعي لنشرها في المجتمع. في كلتا الحالتين نسأل.. لماذا تم إستبعاد الشباب وهُم أهَم وأخطر شريحة في المجتمع العراقي بل وأي مجتمع وغاب من يُمثلهم ويُمثل صوتهم شخوصاً أو تجمعات علمانية ديمقراطية ليبرالية ولم يتم إشراكها وتمثيلها بمراحل التحضير والتأسيس لهذا التيار؟
نتمنى وكلنا أمل أن لا يكون السبب هو تلك الطريقة من التفكير التي قادت لما حدث في بعض منظمات المجتمع المدني العراقية بالخارج، التي ما إن يبزغ فيها فجر جيل جديد من الشباب (نقصد بهم من تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين) لأخذ زمام المبادرة والنهوض بعملها الجماهيري المدني وتطويره بدَعم من بعض أعضائها الرواد التقدميون الحداثيون، حتى يهاجمهم كهَنة التعصب الفكري، وسَدَنة الوَهَم كما يَصِفهم أستاذي وصديقي العزيز الكاتب لطيف الحبيب، بل ويَرمونهم بشتى الإتهامات والباطيل، فمرة يصفونهم بالإسلاميين (رغم أنهم بغالبيتهم أبناء شرائح المجتمع العراقي المتمدنة المتحضرة وإلا ما كانوا ليتواجدو في منظمات مدنية ذات توجهات ثقافية تقدمية حداثية على عكس بعض من لازالوا يَدّعون زوراً بأنهم حداثيون وتقدميون إلا أنهم في الحقيقة طائفيون وصَوّتوا للأحزاب الإسلامية في الإنتخابات الأخيرة والتي سبقتها)، ومرة أخرى يصفونهم بالبعثيين(وكأن من أُجبِر على العيش بزمن سلطة البعث كمَن يعرف حقيقتها وفكرها ورغم ذلك وضع يده بيدها وشكل معها جبهات وتحالفات واصفاً زعيمها بكاسترو العراق وكان سيبقى بنظرهم كذلك لو قُدِّر لهذه التحالفات النجاح ولم تنتهي الى حمامات دم !).
نعود لنسأل.. لماذا شُكِّل هذا التيار؟ وما الدورالذي ينبغي أن يلعبه في المجتمع العراقي؟ وهل سينجح في لعب هذا الدور والقيام بما يتوجب عليه فعله؟. فلقد أشار المجتمعون الى أن (الديمقراطية ليست وصفة أو لافتة، لذا ينبغي على قوى التيار أن تشتغل في الممارسة العملية على تطوير ديمقراطيتها هي وتتفحصها باستمرار، من خلال تفاعلها مع بعضها البعض ومع الناس)، كما أشاروا الى (ضرورة أن تذهب قوى التيار الى الناس لتتعرف على مشاكلهم وما يشغلهم، وتكون لسانهم الناطق بمعاناتهم ومطالبهم. فبهذا وحده يستعيد الديمقراطيون دورهم ويخرجوا من حال quot;النخبةquot; إلى التيار الشعبي المؤثر.). وهو كلام جميل لا غبار عليه، ولكن أين ممارسته العملية في الإجتماع التأسيسي للتيار ولجنته التنسيقية، التي ومع كل حبي وتقديري وإحترامي لشخوصها وتأريخهم الأكاديمي والسياسي وفكرهم الحداثي التنويري إلا أن أغلبهم أن لم يكن جميعهم من جيل واحد ومَيّالين لفكر وتيار سياسي معين، بالتالي لايمثلون التنوع الفكري والسياسي والعُمري للعراق وهو ما سيجعل مبادرتهم تولد مَيّتة !
إن مشكلة العراق الحالية هي ليست مع شريحة كبار السِن من الأجيال السابقة الذين لايشكلون اليوم غالبية في مجتمعه، فهؤلاء لايمكن أصلاً التأثير عليهم وقد حَسَموا أمرهم منذ زمن، إما بتبَنّي الفكر العلماني وهُم بغالبيتهم إما شيوعيون أو قوميون، أو بتبَنّي الفكر الإسلامي المُتعَصِّب بشقيه السني والشيعي، ولايمكن تغيير قناعة هؤلاء حتى من قبل أبناء جيلهم. لذا الدور الأكبر الذي ينبغي أن يلعبه هذا التيار هو التأثير في الشريحة الأكبر والأخطر بالمجتمع وهي شريحة الشباب من الأجيال الجديدة، فهؤلاء هم المشكلة، لأنهم ولدوا وتربوا في ظل ظروف إستثنائية إجتماعياً وسياسياً، ونشأوا وعاشوا أجواءً شاذة من دكتاتورية الى فوضى إستقطابات طائفية وقومية ودينية والتي توصف اليوم خطأً بالديمقراطية وتأثروا بأفكارها، وهؤلاء لايستطيع التأثير عليهم سوى من هو بعُمرهم ومُقارب له وعاش جزئاً من ظروفهم ويعرف الطريقة التي يفكرون بها والأسباب التي دعتهم لذلك، ولايستطيع من هو أكبر منهم بعشرين أو ثلاثين سنة وإبن زمن غير زمانهم ولايعرف كيف يفكرون ولماذا أن يؤثر عليهم. لهذا سيصبح تشكيل هذه التيارت عبثياً لا طائل منه من دون إشراك من هو قريب من هذا الجيل وعارف بدواخله وأسراره، لأنه سيبقى عملياً وحاله حال أغلب مبادرات الماضي بلا تأثير،حبراً على ورق وتنظيراً على صفحات الإنترنت وداخل أروقة منظمات المجتمع المدني النخبوية سواء في داخل العراق (هذا إن بقي منها شيء) أو خارجه،وسيبقى الشباب حطباً للقوى والأحزاب الإسلامية الراديكالية ولأفكارها الظلامية المتطرفة.
في الختام أود أن أشير لأمر إستوقفني وأنا أقرأ إعلان الإجتماع التأسيسي للتيار، إذ يشير المجتمعون في إعلانهم وبفخر الى حضور رياض البغدادي ممثل مايسمى بالحركة الشعبية لإجتثاث البعث ومشاركته في إجتماعهم وإلقائه لكلمة فيه. هنا لابد من طرح سؤال مهم على اللجنة التحضيرية للمؤتمر والحاضرين من رجال الفكر والسياسة العراقيين الديمقراطيين.. ماذا يفعل ممثل هذه الحركة في الإجتماع؟ هل هي حركة تمثل الديمقراطية أم هي جزء منها بفكرها الإجتثاثي؟ وهل هذه إشارة الى أن التيار ومؤسسوه يؤيدون فكرة الإجتثاث البعيدة عن الديمقراطية؟ وهل سيتبنى التيار هذه الفكرة ويجعلها جزئاً من أهدافه وأولوياته القادمة لنشر الديمقراطية في العراق،خصوصاً وأن ممثل الحركة قد طالب بكلمته مساندة التيار والإجتماع للحركة وتوجهاتها الإجتثاثية؟. أسئلة كثيرة نتمنى أن تجد إجاباتها سريعاً حتى لا يفقد التيار مصداقيته وهو في بدايات تأسيسه المبارك وبمثل هذا الوقت العصيب من تأريخ شعبنا الذي هو أحوج ما يكون فيه لتشكيل مثل هكذا تيار.
الخطأ دليل العمل،فمن لايعمل لايخطأ ولكن العبرة هي بالإستفادة من الخطأ والفشل وعدم تكراره وتحويله الى نجاح.
التعليقات