قبل أيام، قيَّم السياسي التركي محمد علي بيراند العلاقة بين الدولة التركية وكردها قائلاً، أن القوى السياسية التركية كانت تندد بالمطاليب الكردية، فيما كان العسكر يضربون الكرد، أما الآن فأن حزب العدالة والتنمية الحاكم هو الدولة، وعلى حكومته أن تدرك عجز سياساتها في التصدي للكرد أو عرقلة نضالهم من أجل مطاليبهم المشروعة.
يوحي كلام ميراند، أنه لم يطرأ تغيير يذكر على سياسة الحزب الحاكم في تركيا المعروف بنزعاته الدينية الاسلامية، حيال إحدى أهم القضايا التي تعاني منها تركيا وتحظى بإهتمام العالم، ألا وهي القضية الكردية التي يعد حلها أحد شروط قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي. وببقائها وقضايا أخرى سنأتي إلى ذكرها. يجعل من الصعب تمييز حزب العدالة والتنمية وحكومته عن الأحزاب والحكومات العلمانية التي حكمت تركيا لعقود من السنين. والغريب في الأمر هو تباري أوساط لا تحصى عربية وغربية في خلع أوصاف على هذا الحزب مثل الاعتدال والتحضر وتفهمه لروح العصر خلافاً للإسلام السياسي التقليدي المتشدد الميال في الجزء الأكبر منه إلى الإرهاب. ولم يبق إلا القول فيه، أنه خير quot;حزب اسلاميquot; أخرج للناس. وكيف أنه في تمثله للعصرنة والحداثة والتفتح يضاهي الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب. ولكم نتمنى ذلك وتمنينا وما زلنا نتمنى، إلا أن الوقائع تنفي كل تلك الأوصاف الحسنة البراقة عن السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية الحالية في الدولة التركية.
محمد علي شاهين، رئيس مجلس النواب التركي، هدد قبل نحو اسبوعين برلمانيين كرد لمجرد تحدثهم باللغة الكردية داخل مجلس النواب التركي، وحذرهم من تكرار ذلك. ما دفع بصلاح الدين دمير تاش رئيس حزب السلام والديمقراطية إلى مطالبته أن لا يتصرف كطرف سياسي، بل يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب السياسية في البلاد.
تصوروا رئيس برلمان يفترض فيه الدفاع عن مكون رئيسي في تركيا، أي الكرد الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 24 مليون نسمة، أضف إلى ذلك أنه شعب مسلم، يقوم بتهديد ممثليه لمجرد تحدثهم بلغتهم الأم.
وفي مدينة quot;ماردينquot; رفضت النيابة العامة طلب حسيب أكتاش رئيس بلدية quot;شمرخquot; الدفاع عن نفسه باللغة الكردية، ورداً عليه قال أكتاش: quot;أن هذا الموقف يصب في إطار سياسة التتريك والصهر التي تنتهجها حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الشعب الكرديquot;.
تصوروا مرة ثانية، جهاز قضائي يرفض دفاعاً باللغة الكردية لمتهم أمامه، ترى هل من الممكن الوثوق بعدالة هكذا قضاء.
هذا عن السلطتين التشريعية والقضائية التركيتين وما ذكرته كان على سبيل المثال لا الحصر. أما عن السلطة التنفيذية فحدث ولا حرج. فقبل أيام أيضاً تظاهر مئات من الشباب والأطفال الكرد في مدينة سيرت احتجاجاً على محاربة الحكومة للغة الكردية، فما كان من الشرطة إلا قمعهم واعتقال الكثيرين منهم من بينهم 11 طفلاً. وقبل شهور من الآن عرضت شاشات التلفزة مشاهد لضرب المتظاهرين بالعصي والراوات.
بالإضافة إلى القضية الكردية، هنالك أكثر من قضية تواجه الحزب quot;الإسلاميquot; الحاكم في تركيا، منها إصرار حكومته على عدم الإعتذار للأرمن عن جرائم إبادة ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم، فتهربها من حل المشكلة القبرصية وتخطيطها لحرب مياه مقبلة على شعوب في المنطقة.
أحقاً أن هذا الحزب معتدل، منفتح، متحضر على العكس من الإسلام السياسي في البلدان الاسلامية الأخرى؟ على المداحين سحب تلكم الأوصاف الجميلة التي خلعوها عليه، لأنها لا تليق به أصلاً، وتكشف في الوقت ذاته عن زيف ونفاق مطلقيها.
- آخر تحديث :
التعليقات