كنا بضعة عراقيين مهمومين بالوطن، حتى ونحن خارجَه، في سهرة. ويندر أن يسهر عراقيون دون جدل في السياسة والدين وعمر وعلي وعثمان. أحدنا أضحك الجميع حين قرأ علينا نص ما قاله الكاتب الكبير الأستاذ حسن العلوي لصحيفة النهار اللبنانية عن أياد علاوي:
- (انا من أسّس quot;القائمة العراقيةquot;، وأنا من جمع له الأموال، وما بيني وبينه سر الأموال التي جُمعت له، ووُضعت في حسابه الخاص.
* من أعطاه الأموال؟
- الجميع أعطاه، ولا دولة عربية لم تعطه، غنيها وفقيرها).

وراح خبيث منا يستعرض الدول العربية، غنيـَّها أولا ثم فقيرَها، فوجدنا أن جيبوتي واحدة منها. والعُهدة على الراوي.

أما سر ضحك الجميع، فيعود إلى كوننا، في أمريكا، نعرف ما يجري في سباقات الملاكمة والمصارعة للمحترفين. فالرابح فيها يكسب ملايين الدولارات مع (حزام البطولة الذهبي)، أما الخاسر فيربح أيضا ملايين الدورات، ولكن دون حزام. وهذا ما حدث تماما بين السيد المالكي وغريمه اللدود.

ولأن شر البيلة ما يضحك فقد رحنا نتحاور في سوء حظ الشعب العراقي ونصيبه البائس الحزين.

أكلما قلنا إن الفجر قد أطل، وأن الليل راحل، وأن الوطن عائد إلى أهله معافى باسما ماشيا على قدمين سليمتين، يعود كسيحا مريضا مهيض الجناحين من جديد ويظل يبحث عن خلاص؟

وبرغم كل أحساسنا العميق بالخيبة فقد وافقنا على ضرورة أن نتفاءل، وأن نتمنى أن تكون الحكومة قادرة على فعل ما ُيكذبنا ويبطل اتهاماتنا، رغم أننا نعرف أغلب أعضائها معرفة حسنة، ونؤمن بأن فاقد الشيء لا يعطيه.

فهاهم، جميعا، مصرون على أن يروا الأسودَ أبيض، والأحمر أخضر، والأفعى في يد القائد عصا موسى التي َتفلق البحر وتأكل ما يأفكون.
إن حكومتهم غير متجانسة، وغير متفاهمة، وغير متصالحة، إلا في الشعارات والقُبلات البراقة الكاذبة وحسب.

ثم ماذا بعد؟ ما الحل؟ وما المخرج من هذه الشلة الضيقة المعدودة على أصابع اليد من سياسيين مهووسين بالسلطة، ليسوا فاشلين، ولكنهم أيضا ليسوا ناجحين في استحقاق احترم شعبهم وثقته ورضاه؟

تساءل بعضنا عما إذا كان في الإمكان العثور على رقعة أمل بيضاء في النفق الخانق تنتشل شعبنا مما هو فيه وتطلقه في الشمس من جديد.

واتفقنا، دون تأخير، على أن الخامة موجودة في الشعب العراقي، دون ريب. فملايين العراقيين أثبتت في أسوأ أيام المحن السابقة وفي عز الحروب الطائفية التي اشتعلت في بعض المناطق، أنها ألارفع والأرقى والأكثر نزاهة ووطنية من كثيرين ممن نفخ في نار تلك الحروب، واستثمرها لتحقيق مآرب لا علاقة لها بالوطن ومواطنيه.

لكن السؤال الملح الآن هو أين تلك الشريحة الجريئة الشريفة الشجاعة التي تقتحم الميدان، وتقول، (كفى) لكل المنافقين والانتهازيين والمزرورين، ثم تباشر حملات التعديل والتنظيف والتطهير، إلى أن يستقيم الزرع ويؤتيَ ثماره الخيرة؟

حين قلنا إن هذه الحكومة الجديدة ولدت كسيحة هب علينا بعضُهم، لا ليرد بالعدل والمنطق السليم، بل بشتائم صريحة أو مغلفة زادت ما قلناه بريقا لدى جماهير العراقيين.

ثم جاءت، وتتالت، وتلاحقت شهادات مهمة أخرى دامغة لا طاقة لأحد من المنافقين على شتم أصحابها.
الأولى من المرجعية، حيث تناوب وكلاء المرجع السيد السيستاني في كربلاء والنجف ومدن اخرى على إظهار عيوب التشكيلة من على المنابر، منتقدين كثرة الوزراء وقلة الكفاءة والتخصص فيها، مما خلق أجواء بائسة تحيط بها وكأنها laquo;شكلتraquo; على مضض ورغما عن الجميع، أو كأن الجميع أصبح يتبرأ منها سلفا حتى لا يتحمل مسؤولية فشلها.
والثانية من الصديق علي الدباغ الذي اعترف بالسوس المخبأ في عروق الوزارة، وطالب الكتل التي رشحت وزراءها بأن تعاقب الفاشلين وتستبدلهم. حيث أعلن مع على شاشة قناة الفيحاء (حمَّل الكتل السياسية المسؤولية المباشرة والكاملة عن الوزراء الذين تم ترشيحهم في حالة إخفاقهم). ولم يقل الزميل الدباغ عن فائدة تحمل الكتلة مسؤولية فشل وزيرها بعد أن يكون الفاس قد وقع في الراس، وبعد ما قد يكون فشله ألحقه بالوطن ومصالح أهله من ضرر وخراب.

كما شدد الدباغ على أن العراق بحاجة الى وزراء موالين للوطن والمواطن والمهنة، وليس للحزب او الكتلة ولا لشخص رئيس الوزراء. وأيضا لم يقل الدباغ كيف وبأية وسيلة يمكنه أن يجعل ولاء الوزير لغير ولي نعمته وراعيه ومالك كل شيء فيه.

أما الثالثة فجاءت من قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي الذي يتزعمه السيد عمار الحكيم، هو علي شبر القيادي في المجلس الأعلى وفي منظمة بدر حيث شدد على أن رئيس الوزراء نوري المالكي قبل بحكومة إرضاء خواطر، حينما شعر بقرب أنتهاء المهلة الدستورية الخاصة بتشكيل الحكومة، وقال: ان المالكي وافق على الوزراء الجدد دون ان يدرس سيرهم الذاتية.

وقال علي شبر إن quot;التشكيلة الوزارية الجديدة بعيدة عن التكنوقراط، وهي عبارة عن حكومة توافقات سياسية وإرضاء خواطرquot;.
وقبل أن أختم هذه الهموم أنقل جزءا من رسالة وردتني في 21 / 10 /2010 من أحد الكبار في بغداد، ردا على سؤال لي حول شكل الحكومة التي يتوقع تشكيلها. رغم أنه من ظام رقبة الحكم الحالي إلا أن المرء لا يملك إلا أن يحبه ويحترمه ويقدر أن الدنيا ما تزال ببخيروأنها ما خلت ولن تخلو من الطبيبين.

(سيدي الكريم
يشعر المجلس الأعلى بأن وضعه في ساحته الشيعية قد تراجع، بل انكسر، والسبب هو المالكي وطريقته في إدارة الدولة التي لم تعط فرصة للمجلس لكي يعمل مثل الدعوة ويستفيد مما توفره السلطة والحكم من إغراء ومزايا للانتشار بين الناس.
واذا عاد المالكي ٤ سنوات أخرى فستكون الخسارة أعظم، حيث إن نهج المالكي استئثارٌ بالسلطة، هذا ما يعتقدونه هم في المجلس، إضافة الى فشل أطروحتهم في الاستخدام المفرط للمقدس، بالطريقة الإيرانية الساذجة، إضافة الى عوامل أخرى.
وكل هذا الحراك لن ُينتج الا تأخيرا في الحسم، حيث لم تتبلور بدائل ذات قيمة تنافس المالكي.

أنا اعتقد في النهاية سيتم اختيار المالكي، كأمر واقع يقبل به الداخل، على مضض، ومعظم الأطراف الإقليمية والأمريكان أيضا. لكن سيأتي مُنهكا ومثقلا بشروط وكوابح قد يكون جزء ٌ منها ضروريا، لكنا ستجعل من الحكومة ضعيفة وهشة لاتصمد أمام تجاذبات عنيفة تولد من مواقع حزبية لن تكون أفضل من الفترة السابقة، وهذا قلق يحيط بي لا أجد فكاكا منه غير الصبر والأمل بأن الفترة القادمة يمكن أن تلد تيارات ٍ ليبرالية وسطية عابرة للطوائف، بشخصيات شابة لم تتمكن منهم اللوثة الطائفية، ولم تفعل فعلها ولا ترضخ لطهران او الدوحة، ومتحررة من سلطة الكهنوت، حيث يمكن لها ان توازن بين الحيتان، وتصد جزءا من عبثها.

يمكن ان يتم خلقُ امر واقع بالذهاب لمجلس النواب واختيار رئيس مجلس، يمكن أن ينشأ حراكٌ وتَسارُع للانضمام لركب الراكضين والساعين للمناصب.)
وهذا مقطع جميل آخر من رسالة لاحقة تلقيتها منه هذا الصباح.

(مع الاسف تكررت صورة كنت اعتقدت بأننا غادرناها، لكن منطق استبعاد أي كفاءة هو المنطق السائد والحاكم، وهذا امل وحلم يبدو انه يبتعد مع زمن تمد الاحزاب جذورها في أوصال الدولة، وتتمكن منها، ويتسلق على أركانها جهلة متحازبون، الفساد شيمتهم، والسرقة مهنتهم، يستخدمون الدين مطيةً لهم، ويخدعون البسطاء، وما يخدعون الا انفسهم.

وفي هذه الأمواج أرى نفسي وسط تجاذبات في نفسي، وسبة تأتيني من الآخر الذي يحسبني ضمن هذا الجمع.
أسأل الله العون والتسديد.)

أليس من حقنا، والحالة هذه، أن نحزن وأن نصاب بالغثيان؟