يُروى، وهذه واقعة ثابتة، أن أحد قادة هذه الأمة الخربانة قرر إنشاء جيش وطني يحمي الحمى من الغزاة والطامعين، فأخذ جميع من يجيد القراءة والكتابة من أبناء القبائل الأخرى ووضعهم قادة لجيشه الوليد، ثم ولى عليهم وريثـَه وولي َعهده الأمين. كان حريصا جدا على ترضية العوائل والأسر (الشقيقة) الأخرى، لكي تسير السفينة بسلاسة، ودون وجع راس.

لكنه، ذات صباح بائس وكئيب، فوجيء برئيس إحدى القبائل، يقتحم عرينه وهو ينتفض من الغضب، فلا يُسلم على الأمير بما ُيخاطَب به الملوكُ والأمراء، بل ناداه باسمه مجردا من لقبه الطويل.
بادره الشيخ بنفرة بالغة:
- كيف تهين قبيلتنا يا (فلان)؟
- أعوذ بالله، كيف أهينها؟
- لم تضع واحدا من أبنائنا قائدا في الجيش.
- هل وَلدُك المحروسُ بالله يقرأ ويكتب؟
- لا.
فألتفت إلى مدير مكتبه الباذخ، وقال آمرا:
- عينوه، واعطوه رتبة (لوا).

رئيسنا المالكي فعل الشيء ذاته. وقبل أن يشتمني عشاقُه وعبيدُه ومريدوه أروي لكم تفاصيل هذه الحكاية.
الرئيس الوطني النزيه والحريص جدا على عدم وضع الرجل المناسب إلا في المكان المناسب، والمولع جدا برعاية أصحاب الخبرة والكفاءة، أقدم في 2006 على تعيين وزيرين، الأول للسياحة والآثار، هو لواء سميسم، والآخر وزير دولة هو الشيخ محمد عباس العريبي.

وفي عام 2007 وبسبب المعارك (الوطنية) التي دارت بين المالكي والتيار الصدري في البصرة ومدينة الصدر (زعل) سميسم وخرج من الوزارة، فلم يجد المالكي أنسبَ وأفضل وأعظم للسياحة والآثار سوى الشيخ العريبي، بشحمه ولحمه، بديلا عن الوزير (الصدري) المستقيل.

طبعا، لم ُيقدم المالكي على اختياره هذا رجما بالغيب، أوعبثا، أو جهلا وقلة فطنة، فهو لابد أن يكون جَربَ الشيخ العريبي وخبرَه جيدا، على الأقل في سنة كاملة من العمل معا في الجهاد المقدس من أجل الله ودينه وعباده، رغبة من الرئيس (المؤمن) في الاستفادة من خبرة العريبي وعمق ثقافته وسعة اطلاعه على شؤون الآثار والسياحة.

ثم بعد عودة السمن والعسل إلى العلاقة بين الصدر والمالكي طـُرد العريبي، واستعاد سميسم عرينه في الوزارة الجديدة، ليُكمل فيها جهاده من أجل تطوير السياحة وتعميق الوعي الشعبي بالآثار ومتاحفها العديدة المتناثرة في أنحاد العراق كله، رغم أنه رجل جاهل بالسياحة، وأمي في الآثار، ومتزمت لا تجد في قلبه وعقله ولو بصيصا من حداثة تساعده في تسيير شؤون وزارة ثقافية وتراثية مهمة كوزارة السياحة والآثار التي تمثل وجه َ كل وطن، وعنوان َ تحضر شعبه وتقدمه وتنوره.

إن وزير سياحتنا الجديد دون ربطة عنق. وهذا يعني أن (السيد) مؤمن، ومن جماعة الولي الفقيه. فكيف يقود (سيدٌ) وزارةً لا تستقيم أمورها بدون منتجعات ونوادٍ يسهر فيها الناس بحرية وتصدح فيها الموسيقى والغناء وتنتظم فيها فرق الرقص والفرح والسرور؟ إلا إذا سلخ سادةُ حزب الدعوة والتيار الصدري عن وزارة السياحة جلدها الحضاري والمدني وحولوها إلى حسينية؟. فمؤكد أن الوزير(السيد) لن يدخل أحد متاحفنا العامرة ويتجولَ بين أصنامها المحرمة التي يصر حزبُه وزعيمُه على أنها من رجسٌ من الشيطان ينبغي تدميرُها عن بكرة أبيها على رؤوس من احترمها وصانها كل هذه العصور.

مناسبة هذا الكلام أن زميلا كاتبا مشاكسا مثلي، هو (كرار الفرطوسي)، وأظنه اسما مستعارا، خَدمنا كثيرا حين أطلـَعـَنا على كلام الشيخ العريبي، فنقل لنا على موقع عراقي مقابلة خطيرة أجرتها معه قناة الفيحاء، وهو يزور سوريا، يشكر فيها (ضخامة) الرئيس السوري.
تأملوا الفاجعة. وزير من عام 2006 يشكر (ضخامة) الرئيس.

http://www.youtube.com/watch?v=9QC-RYnzzlA

صحيح أن الفرق بين (ضخامة) و(فخامة) هو حرف واحد فقط إلا أن هذا الحرف يعني الكثير. يعني أولا أن الرجل ليس أميا بل أنه لم يتعلم شيئا طيلة حياته الطويلة في الحزب وفي الحسينيات التي قام أو نام على منابرها.

وليت المسألة تنتهي عند هذا الحد. فهي تعني، فوق كل ذلك أيضا، أن الذي اختاره ورمى إليه بمفاتيح وزارة بمئات الخبراء والعلماء الآثاريين والسياحيين وآلاف الموظفين ومئات الملايين من الدولارات ربما مثله وبالتالي فإن هذا يعني أيضا أن الذي اختاره، حين تَحكـُم مصالحُه ومصالح ُحزبه، وتجاوز على مصالح الناس.

فمن آخر مكرماته الوطنية الفريدة أن قلبه الرحيم رقَّ لجميع رفاقه المحكومين بتهمة تزوير الشهادات، فعَفا عنهم، وسامحهم فيما سرقوه من رواتب ومخصصات أثناء فترة عملهم بشهاداتهم المزورة.

في ضوء كل ما سبق من مهازل لا يحق لأحد من رجال العراق الجديد أن يزعم بأننا غادرنا حزبَ البعث، وخرجنا من ليله الطويل.

أليس كذلك يا (ضخامة) الرئيس؟؟؟