مع إقتراب موعد إجراء الاستفتاء المقرر بصدد جنوب السودان، تزداد التوقعات و التکهنات وهي على کثرتها تتباين في طروحاتها و تحليلاتها و تفسيراتها لمرحلة مابعد الاستفتاء، رغم أن هناك تيار غير عادي يرکز و بشکل ملفت للنظر على حتمية مسألة التصويت لإنفصال الجنوب عن الوطن الام السودان بل وان البعض من الاوساط الاعلامية و السياسية تشدد على أن مسألة الانفصال قد أصبحت قضية مفروغ منها وان هي الا قضية وقت ليس إلا.

ان طرح قضية جنوب السودان و غيرها من قضايا الاقليات العرقية و الدينية و المذهبية على بساط البحث، يدفعنا للعودة الى الواقع المر و المٶلم الذي مر بوطننا العربي و الذي تظافرت و تنوعت فيه الجهود و المرامي المتباينة من أجل تثبيت واقع غير إيجابي و مشحون و ملغوم بمختلف اشکال و مضامين السلبيات خدمة لأهداف و أجندة خارجية محددة على رأسها الکيان السرطاني الصهيوني المزروع قسرا في الارض العربية الفلسطينية، وهنا نود أن نٶکد بأننا لسنا من اولئك الذين يتشبثون بنظرية المٶامرة حتى يبرروا لمسائل أخرى وانما مانطرحه مٶکد و مثبت في العديد من الملفات و التقارير الخاصة لوزارات غربية تنشر بين الفترة و الاخرى بعضا من ملفاتها السرية الخاصة عن الوطن العربي و تٶکد و بشکل غير قابل للجدل على حقيقة مسألة توظيف قضية الاقليات العرقية و الدينية و المذهبية في الوطن العربي لصالح أجندة و مصالح مشبوهة لاعلاقة لها بالامة العربية، إلا أننا ومع إيماننا العميق و الراسخ بهذه الحقيقة التي نطرحها لکننا وفي نفس الوقت لانغفل او نتجاهل عن الجوانب السلبية و غير المسٶولة فيما يخص التعامل الرسمي للنظام العربي مع قضية الاقليات العرقية و الدينيـة و المذهبية في الوطن العربي ولاسيما خلال العقود الثلاثة المنصرمة حيث أرتکبت بقصد او بدون قصد أخطاء سببت نوعا من التباعد و الانفصام بين النظم الرسمية الحاکمة و الاقليات العرقية و الدينية و المذهبية تم وللاسف البالغ استغلال العديد منها من قبل جهات خارجية و اقليمية محددة، وقد نبهنا و حذرنا من خطورة إقصاء او تهميش تلك الاقليات و ضرورة إستيعابها و تلبية إحتياجاتها و طموحاتها بما يخدم المصلحة العامة و قمنا بإسداء النصح لتلافي أي معوقات او سلبيات بهذا الخصوص ولازلنا نؤکد ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم و المطلوب لهذا الجانب و جوانب اخرى من الممکن ان تستغل من قبل أعداء الامة او المتربصين بها شرا، وقد لمسنا تغييرا و تحسنا ملحوظا على هذا التعامل ونجد الإنعکاسات الايجابية لذلك تتجسد على أرض الواقع و تترجم في تکاتف و تلاحم أقوى و أمضى بين المکونات المختلفة في الدول العربية.

قضية جنوب السودان، بما إکتنفت و احتوت من أحداث و تطورات سياسية و أمنية مختلفة و بما إنعکس بسبب من تداعياتها على مجمل الاوضاع في الشمال الافريقي و لاسيما علاقة أزمة الجنوب ببعض الدول الافريقية و غير الافريقية، نجد أن العلة الاساسية في إيصالها الى هذا المفترق الخطير و الحاسم تعود اساسا الى تراکمات الاخطاء و السلبيات للنظم و الحکومات المتعاقبة على حکم السودان و إهمالها المقصود او المتعمد لهذه القضية و تغافلها عنها بالصورة التي أدت في النهاية الى وصولها الى منعطف حاد يجب الانتباه بحذر بالغ لکيفية التعامل معها بمنتهى الحکمة و التأني، ولايجب البت او الحکم النهائي بأن انفصال الجنوب عن السودان قد بات واردا وانه سيکون القرار العام الذي سيصوت لصالحه إذ لازالت هنالك غالبية من أهالي الجنوب تؤمن بأن البقاء ضمن الوطن السوداني الموحد هو الخيار الافضل و الاحسن لها و لعموم الشعب الشعب السوداني وتؤمن هذه الغالبية بأنه من الممکن جدا تلافي الاخطاء و السلبيات السابقة و طي صفحة الماضي بما يخدم مصالح و طموحات واماني الجميع من دون إستثناء. واننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، وإيمانا منا بقضايا أمتنا العربية من المحيط الى الخليج العربي، نرى ونؤمن بأن خيار البقاء ضمن الوطن السوداني الواحد الموحد هو الخيار الاصلح و الانجع و الافضل لجميع أطياف الشعب السوداني ونؤکد على أن خيار الانفصال عن الوطن السوداني هو خيار يخدم أهداف و اجندة إقليمية و خارجية و يضد مصالح و أهداف والامن القومي للأمة العربية، واننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب نرفض أي قرار تقسيمي في أي قطر عربي من دون إستثناء و ندعو و نحث أبناء جنوب السودان على ضرورة و أهمية التصويت لصالح البقاء ضمن الوطن السوداني و الذي سيکون في النهاية أيضا أفضل قرار يخدم مصالح أبناء الجنوب.

*المرجع الاسلامي للشيعة العرب.