تم تعريف الاعلام كحقل من الألغام ويجب دخول هذا الحقل بعناية وحرص شديدين.

لا يختلف اثنان ان هناك حالة من الانفلات الاعلامي في العالم العربي. ما عليك الا ان تقرأ بعض المواقع العراقية أو تشاهد بعض الفضائيات العراقية لتجد ان الاعلام يستعمل للتشهير والتحريض على العنف والكره وتكريس الطائفية وتغذية وقود الفتنة والتعبير عن الاحقاد الشخصية والاساءة المقصودة وتشويه السمعات والتخوين. الاعلام في العراق هو مسرح صراع حقيقي بين الارهاب والدولة وبين الميليشيات التي تمثل تيارات وطوائف متنازعة. هذه الحالة بحاجة الى ضبط ومن خلال قوانين قاسية وصارمة. الوضع في الأردن يختلف تماما كما سنرى.

بالاضافة لفوضى الاعلام الفضائي فان الانتشار السريع للشبكة العنكبوتية وسهولة خلق مواقع اليكترونية الذي اصبح بمتناول عدد كبير من الناس ساهم في ترسيخ وتعميق حالة الانفلات الاعلامي. هذا لا ينطبق طبعا على المواقع المسؤولة التي تتمتع بمهنية ومصداقية عالية. الاعلام الأردني لم ينحدر الى تلك المستويات المتدنية ومن الظلم والمبالغة القول ان هناك حالة انفلات اعلامي في الأردن. ربما نمتعض من تجاوزات هنا وهناك من قبل بعض المواقع الاليكترونية الثانوية التي لا تؤخذ على محمل الجد في غالب الأحيان. ورغم هذا التحفظ كلنا نتفق ان الاعلام بحاجة لأنظمة وقوانين ضابطة بشرط ان لا تستخدم كوسيلة انتقامية بيد ذوي الاجندات الخاصة أو محاولة لتقليص مساحة حرية التعبير. أي معاقبة المهني والمسؤول بسبب تصرفات الطائش واللامسؤول.

الشعور بالقلق

وفي الأيام القليلة الماضية شهدنا موجة من المقالات والتساؤلات والعناوين معظمها تعبر عن قلق في صفوف الاعلاميين الأردنيين حيث كتب طاهر العدوان رئيس تحرير جريدة العرب اليوم quot;أن الصحافة ايضا تطالب بتطبيق المعايير العالمية quot; واشار الى تراجع الاعلام في عهد الحكومة الحالية. وتساءل باسل العكور مدير تحرير موقع عمون عن مبررات واسباب التعديلات والتوقيت. ويقول quot;اليست هذه التعديلات لاخضاع المواقع تحت قبضة تشريعات تقلل هامش حرية الصحافة؟

هناك حالة من الفزع من تشريعات جديدة لتنظيم العمل الصحفي وانعكست هذه الحالة بعناوين في الصحف مثل quot;الرفاعي يهاجم الاعلام ويهيء لسن تشريعات ضد الحريات الصحفية quot;

وعنوان آخر quot; حالة من القلق من تشريعات قد تحجم دور الصحافة لارضاء بعض النواب الذين لهم اجندة في تهميش دور الاعلام.quot;

ونقرأ ايضا أن رئيس الوزراء يرغب في ارضاء بعض النواب المستائين من الاعلام لنقله اخبارا يعتبرها بعض النواب مسيئة مثل المشادات الكلامية والمشاجرات التي تشمل العراك الجسدي. بعبارة اخرى يقول الاعلاميون الاردنيون ان الحكومة رضخت لضغوط عدد من النواب لتقييد حرية الاعلام على خلفية الانتقادات الساخرة واللاذعة للبرلمان على افراطه في منح الثقة في الحكومة.

اقوال وتصريحات تدعو للتفاؤل

وفي الوقت ذاته قرأنا عناوين تتسم بالطأمنة وتهدئة الخواطر حيث قرأنا أن ايمن الصفدي الناطق باسم الحكومة ونائب رئيس الوزراء قال quot;اذا لم تقم الصحافة بالنقد فليست صحافة ولا تقوم بدورهاquot;.

النائب جميل النمري رئيس لجنة التوجية الوطني قال quot; اي تعديلات لرفع مستوى الاعلام والاحترافية يجب الترحيب بها وقال ايضا يتعين على بعض وسائل الاعلام الابتعاد عن اسلوب السخرية ونشر التعليقات المسيئة.quot;

السؤال هل المخاوف من التعديلات التشريعية حقيقية وتستند على معلومات دقيقة وقراءة صحيحة لنوايا الحكومة؟

في خطاب العرش امام البرلمان الجديد أكد جلالة الملك على أهمية الاعلام الوطني المهني المحترف.

ألم يقل رئيس الوزراء سمير الرفاعي quot;سنعمل على دراسة كافة التشريعات المتعلقة بالاعلام من اجل تقوية الاعلام الوطني وتعزيز دوره المهنيquot;.؟

ألم يتحدث علي العايد وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصالات الجديد اوائل شهر اكتوبر الماضي عن قوانين ناظمة للعلاقة بين الحكومة وبين السلطة الرابعة وعن توفير الموارد المالية والكفاءات والخبرات للنهوض بالاعلام الأردني ووضع خطة لكيفية التعامل مع الاعلام. وأعلن معاليه عن خطة اعلامية جديدة حيث أعلن قبل عدة اسابيع ان الأردن انهى احتكار الدولة لوسائل الاعلام.

مما سبق نرى ان هناك عزما على رفع سقف حرية الاعلام وبنفس الوقت الرغبة بتنظيم العلاقة بين الاعلام والحكومة والمؤسسات وهذا ما فسره البعض كتدخل حكومي لتضييق هامش الحريات الصحفية. ربما ان توقيت التصريحات المتعلقة بسن قوانين وتشريعات خلقت حالة من الذعر في صفوف الاعلاميين.

القوانين والاعلام المهني

علينا ان نقبل ان الحكومات وجدت لخدمة المواطن واجهزة الحكومة هي الاذرع لتنفيذ هذه الخدمة. لذا من الطبيعي والبديهي انه من حق الاعلاميين الحصول على المعلومات ونشر الخبر حسب الاصول الصحفية وخلال فترة قصيرة ويحق للصحافة والاعلام ان تهتم بالقضايا التي تهم البلد وتتابعها وان تنقل الاخبار بأمانة ومهنية.

وايضا يحق للحكومة ان تعترض اذا تم تشويه الاخبار لخدمة اجندات غير وطنية. ويحق للحكومة ان تسن قوانين وانظمة للتأكد ان الاعلام لا يحرض على العنف والكره والفتنة والعصيان والمس من هيبة الدولة والجيش. وحتى في الدول الديمقراطية العريقة مثل بريطانيا والولايات المتحدة هناك قوانين صارمة لمراقبة ومحاسبة الاعلام اذا تم اجتياز خطوط اخلاقية او قام بالترويج لشائعات او قصص يمكن وصفها بالعنصرية او التحريضية ضد اقليات او ديانات اخرى. كما ان هناك قوانين تمنع الاعلام من تعريض الأمن الوطني القومي للخطر. قد يستفيد أعداء الوطن من نشر معلومات حساسة. ولكن تغطية مشاجرة بالأيدي بين برلمانيين او خبر شجار في ملعب كرة قدم لا يأتي تحت اطار الأمن القومي الا اذا اسيء استعماله باعطاء الخبر نكهة انقسامية تحريضية. وهناك ما يسمى قوانين التشهير والحماية من الابتزاز وهذه يتم احالتها للقضاء. بعبارة مختصرة لا يستطيع صحفي ان ينشر خبرا كاذبا او يكتب مقالا مسيئا لا يستند عل حقائق.

ميثاق الشرف الصحفي المهني ينص على ذلك وكل من يعمل في الاعلام من المفروض ان يلتزم باخلاقيات المهنة حتى لو لم يكن هناك اي قوانين.

اذا تم الالتزام بالاخلاقيات والمهنية والاحترافية فلا حاجة للتدخل الحكومي. قبل عدة سنوات كتبت صحيفة بريطانية معروفة ان ممثل مخضرم في احد المسلسلات التي لا تنتهي انه شخص مضجر وظهوره على الشاشة يجلب الملل للمشاهدين. حكم القضاء على الصحيفة بتعويضه بمبلغ 50 الف جنيه استرليني (حوالي 60 الف دينار) لأن ما كتبته الصحيفة اساء للمثل نفسيا ومهنيا.

ما هو المطلوب؟

الأردن ليست بحاجة لقوانين وتشريعات دراكونية قاسية بل هناك خطوات يمكن وضعها حيز التنفيذ ابتداء بالصحافة التي عليها ترتيب بيتها الداخلي وتفعيل آليات المسآلة والمحاسبة وتشكيل هيئة للنظر في الشكاوي على الصحافة Press Complaints Commission وهذه الهيئة المستقلة موجودة في بريطانيا ولديها صلاحيات واسعة للنظرفي شكاوي المتضررين من اخبار لا تستند على حقائق أومقالات كتبت بهدف الاساءة وبدون مبرر.

المطلوب أيضا تنسيق افضل بين الدوائر الحكومية ووسائل الاعلام وتوفير التفاصيل الكافية عن أي قرارات حكومية مثيرة للجدل للصحافة والاعلام داخل الأردن ولمكاتب الاعلام الأردنية في العواصم الدولية لكي تتمكن هذه المكاتب من القيام بواجبها في شرح موقف الأردن وتصحيح اي تشويهات او مغالطات مقصودة او غير مقصودة. ويجب اعتماد الشفافية كوسيلة للقضاء على ظاهرة التكهنات والشائعات والتشويهات. الاعلام له دور هام جدا وعلى الحكومات ان تساعد الاعلام في القيام بهذا الدور بطريقة مهنية احترافية.

المطلوب اعلام قادر على اشهار صورة الوطن الحضارية وانجازاته وتتناول قضاياه ومشاكل المواطنين. اعلام يشرح الموقف الأردني ازاء العملية السلمية المتعثرة والدعم الأردني اللامحدود للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتحقيق هدفه بدولة مستقلة قابلة للحياة على اراضيه التي تحتلها اسرائيل. المطلوب خطة اعلامية فاعلة ذات كفاءة عالية للتعامل مع التحديات التي تعصف بالمنطقة. باختصار اعلام قادر على تصحيح الصورة وفضح التشويهات المغرضة والاجندات العدائية للأردن. أتذكر تماما انه بعد الغاء وزارة الاعلام تحدث ناصر جودة وزير الاعلام اوائل عام 2008 عن تعديلات جديدة على قوانين الاعلام المرئي والمسموع والاليكتروني مؤكدا ان حرية الاعلام سقفها السماء دون انتهاك حرية الاشخاص الآخرين. الاعلام بحاجة لتطوير لكي يبقى مواكبا للعصر التكنولوجي وأشار الكاتب جهاد المومني مؤخرا في جريدة الرأي لهذه النقطة بالذات ولكنه وضع سؤالا ماذا تريد الحكومة من الاعلام؟

لا حاجة لقوانين صارمة جديدة بل الحاجة الى مهنية واحترافية من قبل الصحافة الورقية والاليكترونية وفي الوقت ذاته شفافية وانفتاح من قبل الحكومة.

اعلامي عربي لندن