يمثل تنظيم الإخوان المسلمين احد اكبر الكوارث التي التي أصيبت بها الأمة خلال العقود الستة الماضية، بدءا من تكوينها للجهاز السري و محاولتها اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر إلى المجازر التي ارتكبتها المجموعات الخارجة من عباءتها (الجهاد و الجماعة الإسلامية في مصر، انقلاب حسن الترابي على القيادة المنتخبة في السودان، حمام الدم في الجزائر على يد الشيخين عباسي مدني و علي بلحاج، انقلاب فرع فلسطين للإخوان على السلطة الشرعية في غزة...). على هذا الأساس، اعتقدنا أن قيادات التنظيم سوف تأخذ بمحمل الجد ما ارتكب بحق شعوب المنطقة، من خلال مراجعة شاملة لأطروحاتها التي لم تجلب إلى حد الساعة إلا الدمار و الخراب. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إذ عاد زعماء التنظيم إلى التسويف، نذكر منهم، على سبيل المثال لا الحصر، د. عصام العريان الذي رمى مؤخرا بدلوه في الشأن التونسي بنشر مقاله بعنوان quot;إنذار تونس.quot;
بعد سرد القيادي الاخواني المستفيض للاحتجاجات التونسية الأخيرة التي لم تأت بأي جديد للقارئ، أتحفنا د. العريان بتشخيصه للمشكلة الرئيسية: quot;الاستبداد الذي أغلق كل أبواب الحلم في التغيير السلمي الديمقراطي.quot;
و هنا من حقنا أن نسال القيادي الاخواني أي حلم هذا الذي يدغدغ به عواطفنا؟ اهو حلم محاولة انقلاب الجهاز السري لجماعته على الرئيس عبد الناصر الذي لم يجلب للجماعة المتآمرة و لمصر عموما إلا الدمار و الخراب؟ أم هو حلم الانقلاب الدموي على الحكومة السودانية المنتخبة على يد الشيخ حسن الترابي، الذي أضاف قرابة مليون ضحية للبلد المنكوب نتيجة استعار الحرب الجهادية المدمرة التي يتحمل إسلاميو السودان مسؤولية رئيسية فيها؟ أم هو حلم حمام الدم الذي تسببت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بعدما أعلن القيادي علي بلحاج يوم الانتخابات الحرة التي تم تنظيمها آنذاك quot;يوم عرس الديمقراطية و يوم مأتمهاquot; مما لم يترك أي خيار للمؤسسة العسكرية غير خيار إلغاء العملية الانتخابية و مواجهة التمرد المسلح بالقوة؟ أم هو حلم فرعكم الغزاوي -حماس- الذي انقلب على السلطة المنتخبة في صيف 2006 بارتكاب ما صنفته المنظمات الحقوقية الدولية جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية، وصلت إلى حد القذف بكوادر فتح من الطوابق العليا للبنايات؟ أم هو حلم برنامجكم الراقي الذي نشرتموه على شبكة الانترنت و الذي يحرم الرئاسة على المرأة و المواطن المسيحي و يعطي quot;مجلس الفقهاءquot; حق الفيتو على قرارات أعضاء البرلمان المنتخبين، مما يعني نسف العملية الديمقراطية من أساسها؟
و كعادة المتحدثين السياسيين باسم الدين عموما، أكد لنا د. العريان بان quot;أقدار الله ستجري وفق حكمتهquot; دون أن يعطينا أي دليل مادي و دون أن يفسر لنا إذا كانت الأمور بهكذا قضاء و قدر فما مسؤولية البشر حكاما و محكومين عما يجري!!!
أما بخصوص حسن قراءة كاتب المقال للغيب، فيكفي تأكيده و بكل جدية على أن quot;الإنذار التونسي لن يجد- في الغالب- أُذنًا صاغية لدى نخبة الحكم التونسية.quot; ليقفز بعد ذلك إلى quot;مسك الختامquot; للمقال المذكور عندما كتب: quot;الاستقرار الحقيقي يجب أن يُبنى على أسس حقيقية في السياسة والاقتصاد والإعلام والحريات في المجال العام،quot; و quot;لا بد كذلك من إطلاق الحريات العامة لكل التيارات والقوى السياسية؛ لتستوعب طاقات الشباب، مع فتح مجال التغيير السلمي والتداول على السلطة بطرق دستورية.quot;
كل هذا الكلام المعسول صدقه في السابق بعض المصريين فكان دمار البلد بالطريقة التي نعرف، و اقتنع بع بعض السودانيين الموالين للشيخ الترابي فكانت النهاية المأساوية بانفصال الجنوب، و صدقته شرائح واسعة من الجزائريين فكان العقد الدامي الذي ذهب ضحيته مائتي ألف أو يزيد من الأرواح البريئة، و قس على ذلك في دول أخرى من فلسطين إلى باكستان.
تونس كانت أفضل حظا من كافة الدول العربية الأخرى. شقت طريق الحداثة مبكرا و خبرت خطر الإرهاب الأصولي مبكرا، و هذا هو الفرق بينها و بين جارتها الجزائر اليوم، رغم ثروات هذه الأخيرة النفطية الهائلة. المأمول و المؤكد أن تبنى مراجعة الذات على اثر الاحتجاجات الأخيرة بالاستئناس بالتجارب و النماذج الناجحة في مجالات التنمية و الاستثمار و دعم العمالة، من الشرق و من الغرب. لكن ليس من المعقول أن يكون من بينها النموذج الأصولي الذي يمثله quot;الإخوانquot; و من هم على شاكلتهم من القوى التي تستعمل الدين لتحقيق اغراض سياسية.
التعليقات