فور صدور التصريح المثير للجدل الذي ادلى به مسعود بارزاني في مؤتمر حزبه الديمقراطي الكردستاني الثالث عشر المنعقد في اربيل هذا الشهر (11ديسمبر) حول مشروع تقرير المصير للشعب الكردي، ثارت كالعادة ردود فعل متباينة في الاوساط السياسية والاعلامية المحلية والعالمية.. فبينما اتهمه البعض من القوميين الكرد المتحمسين لاستقلال كردستان والمناوئين لحزبه من خلال وسائل اعلامهم المتعددة، بالتقصير والتفريط بالحقوق القومية للشعب الكردي وان بيانه هذا جاء بعد فوات الاوان، أذ كان من المفروض بحسب هؤلاء ان يعلن الانفصال عن بغداد والاعلان عن الدولة الكردية المستقلة وليس فقط المطالبة بتقرير المصير تزامنا مع سقوط الدولة العراقية البعثية عام 2003، مستغلا حالة quot;اللخبطةquot;والفوضى العارمة التي دبت في مؤسساتها ومرافقها الحيوية، مما ادى الى تعطيلها تعطيلا كاملا، ولكنه لم يفعل و بدلا من ذلك راح يزج بقوات البيشمركة الى بغداد لضبط النظام المنفلت فيها و اعادة الامن والاستقرار اليها، واذا كان لأحد الفضل في وقوف العراق مرة ثانية على قدميه و استعادة عافيته و من ثم دخوله الى نادي المجتمع الدولي مرة اخرى، فليس هم الاشقاء العرب ولا الاصدقاء من الدول المجاورة، بل الاكراد وبالتحديد الحزبان الحاكمان الديمقراطي الكردستاني والاتحادالوطني الكردستاني و بدقة اكثر الزعيمان الرئيسان جلال طالباني ومسعود بارزاني، وكانت المسؤولية بالطبع تقع على quot;بارزانيquot; بشكل اكبر واوسع، باعتباره رئيسا منتخبا لكردستان وحامي حماها، وكما تباطأ والقول دائما لهؤلاء الاكراد المتشددين في الاعلان عن الاستقلال، اخفق كذلك في الاستفادة من نتائج الاستفتاء الجانبي الذي جرى على هامش الانتخابات التشريعية العامة عام 2005 والتي صوت فيها الشعب الكردي بالاجماع 98% لصالح الانفصال عن بغداد، ولكنه تجاهل ارادة الشعب و راح يهادن و يساير سياسة الحكام الجدد ويدخل معهم في صراع بيزنطي طويل حول العلاقة الجدلية بين المركز والاقليم، دون ان يأخذ منهم لا حقا ولا باطلا..
وكما انتقد بعض الكرد الراديكاليين الحالمين بانشاء دولة قومية بأي شكل، التصريح كونه جاء متأخرا، وفي الوقت الضائع، انتقده بعض غلاة العرب المتطرفين ايضا ووصفوا التصريح بانه ارتجالي، متسرع وجاء في وقت غير مناسب ( ولا ادري متى يسمح الوقت لبحث هكذا موضوع مهم يتعلق بمصير امة حية، لاتختلف عن الامم الاخرى في المنطقة ؟) و ما نراه انه كلما اردنا ان نخطو خطوة باتجاه الصحيح، جاءنا من يردنا على اعقابنا و يلقي علينا حكمته quot;الأبويةquot;الممجوجة كالمعتاد ؛ quot;الوقت الآن غير مناسبquot;! حتى راجت هذه العبارة وشاعت في اوساط السياسيين وغير السياسيين ومن عامة الناس والكتاب والمثقفين وبتنا نسمعها كلما حاولنا النهوض والخروج من الدائرة الضيقة التي حشرنا فيها.. وظل شبح هذه العبارة يطاردنا ويقض مضاجعنا طوال السنوات الثمان العجاف من الحرب الضروس التي شنها العراق ضد ايران والجيران، ومع بداية سقوط الدولة عام 2003 ولحين هذه اللحظة، بحجة ان البلد في حالة توتر واضطراب عام، تارة بحجة انها quot; في حالة حرب quot; او انها quot; في حالة حصارquot; او quot;ان المحروسةquot;مازالت تحت وصاية الاحتلال الامريكي، وتارة اخرى بحجة انها quot;في طور التأسيس والتكوينquot; و انهاquot; لم تتشكل و.. لم تستقر بعد quot;.. الى اخر هذه الاسطوانات المشروخة التي يراد منها بالطبع الخداع والتهرب من الدخول الى مسألة سياسية تشكل اهمية استراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، ربما من اهم قضاياها على الاطلاق..واذا كانت الظروف quot;الاستثنائيةquot;الراهنة في العراق لاتسمح بطرح موضوع سياسي هام كهذا، كما يقول البعض، فان ظروف العراق منذ تأسيسه كلها quot;استثناءاتquot;وحالات طواريء لم تسمح بمعالجة هذه المسائل بسبب الحروب والمعارك الكثيرة التي خاضها ضد الجيران..
على الرغم من الانتقادات الحادة التي يتلقاها quot;بارزانيquot; بشكل مستمر من جانب المتطرفين من الجبهتين، فان ثمة حقيقة على ارض الواقع لايمكن تجاهلها او القفز فوقها وهي ان الرجل مهما كانت اخطاؤه وسلبياته quot;ومن ليست له اخطاء؟!quot; يظل يمثل قطاعا واسعا من الشعب الكردي، فقد احرز 70% من اصوات الناخبين الكرد، وهذه النسبة تعطيه الحق في ان يتكلم باسم الشعب ويختار ما يناسبه، وان كان ذلك لايعجب البعض.. وهذه عين الديمقراطية!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات